ذاك شاب ينجز أعماله التجارية في منجرته الخاصة، وآخر يدير محل العصائر، وآخر له منشأة صغيرة يشرف على نشاطها، وجميعهم نموذج لطموحات لم تستسلم لليأس أو ثقافة العيب، بل واجهوا تحدياتهم من أجل تحقيق ذواتهم وأهدافهم ليعرفوا أسرار المهن والأعمال الحرة ويفجروا طاقاتهم. وهؤلاء وإن كانوا ممن دفع بهم فرع معهد ريادة بمكةالمكرمة الذي قدم لسوق العمل هذا العام 60 شابا رياديا، يعتبرون من الدفعات الأولى التي بدأت كسر النظرة التقليدية للمهن الحرة التي تثبت الوقائع الاقتصادية أنها ذات جدوى عالية تنتظر الشباب. يقول أحمد المالكي الذي كان منهمكا في قص الأخشاب في منجرته الخاصة إنه لا يجد أي عيب أو حرج في العمل اليدوي والمهني «بالعكس أعتز وأفتخر بهذا العمل الشريف»، مشيرا إلى أنه تقدم إلى معهد الريادة وقدموا له دعما من بنك التسليف بمبلغ 200 ألف ريال، وأكد أن النظرة الدونية للمهنة والعمل المهني من قبل المجتمع جعلت كثيرا من الشباب طالبي العمل يعزفون عن العمل المهني، وبالتالي نجدهم منذ بداية تفتحهم ونشوئهم لا يفكرون ولا يقبلون أي توجه نحو العمل المهني، إضافة إلى وجود عرف اجتماعي يروج لمفاهيم التواكل والاكتفاء بالبحث عن وظيفة حكومية، وترسيخ مبادئ الكسل والاعتماد على الآخرين، الأمر الذي يحبط مساعي وهمم بعض الشباب ممن يحبون العمل المهني ويقضي على طموحات كثير منهم. وأوضح المالكي أن المجتمع ونظرته القاصرة لمثل هذه الأعمال، إضافة إلى العادات والتقاليد البالية كانت السبب في عزوف الكثيرين عن العمل المهني واليدوي، ويجب أن تمحى ثقافة العيب وتحل محلها ثقافة أكثر وعيا تجاه الأعمال المهنية، كما لا بد أن ترسخ ثقافة العمل المهني في عقول الشباب من خلال الدعم المستمر من القطاعين الخاص والحكومي. طرق باب المهنة بينما تحول الشاب فيصل إلياس من معد للعصائر الطبيعية إلى صاحب أحد هذه المحال بعد أن تم دعمه من قبل معهد الريادة لإنشاء محل خاص به يعمل هو بنفسه في إعداد وتقديم العصائر للزبائن «لا نجد حرجا في أن نعمل في أي مهنة سواء كهربائيين أو ميكانيكيين أو غيرها من الأعمال المهنية، فإعداد وبيع العصائر الطازجة على الزبائن عمل جدا رائع وجميل»، مؤكدا أنه يفتخر ويعتز بهذه المهنة «يكفيني أنها دخل مادي جيد يمنعني من السؤال، فقد اعتمدت على الله ثم على المهنة في الدخل الشهري وأصبحت مصدر رزق أعتز به، وينبغي على المجتمع أن يغير قناعاته ونظرياته وثقافته التي لا تحفز على العمل المهني، ليكون لدينا شباب طموح يفكر بالعمل المهني ويقبل به، وعليه فإن المطلوب من المجتمع في سبيل تأسيس ونشر الثقافة المهنية واليدوية والحرفية لدى الشباب وأن يكافح النظرة الدونية للعمل المهني ولمن يشتغلون به، وبدلا من ذلك الافتخار بالعامل الوطني صاحب المهنة المفيدة». ويضيف إلياس: «الملاحظ، للأسف، كثرة انتشار العمالة الوافدة للبلد، وهذا أمر لا نقره أبدا بل الواجب علينا حقا أن نتكاتف ضده، وأن نحد من هذه الظاهرة، والمفترض بالشباب الذين لا يجدون عملا أن يطرقوا باب العمل المهني اليدوي فهو خير سبيل للبحث عن لقمة العيش، بل إن الشريعة حثت على ذلك أيضا والعمل باليد ليس فيه أي إشكال بل متعة وفائدة واكتساب للجديد». حاجة إلى الثقة فيما يضيف الشاب عادل الوكيل: «لقد عملت في أمانة العاصمة المقدسة لمدة خمس سنوات على وظيفة مهندس، وكنت طيلة هذه الفترة أبحث عن الاستقلالية والاتجاه للعمل الحر فتقدمت لمعهد الريادة بمكةالمكرمة وتم دعمي ماليا ومهنيا»، موضحا أنه انخرط في دورة تأهيلية وتثقيفية قبل افتتاح منشأته الصغيرة «من الضروري أن يبحث الشاب عن الأعمال في شتى المجالات، وألا يركن إلى الراحة والبحث عن المكاتب الوثيرة والأعمال السهلة فقط، بل لابد من ملء الفراغ الذي تحتاج إليه الأعمال المهنية، فالشباب ما زالوا بحاجة إلى الثقة في أعمالهم من قبل المجتمع ودعمهم أيضا». تنوع التخصصات ويشدد مشرف الأنشطة بمجلس التدريب التقني والمهني بمنطقة مكةالمكرمة هجاد بن أحمد الغامدي على أهمية الوعي التقني ونشر الثقافة المهنية وتوضيح مفهومها للفئة الناشئة التعليمية في المرحلتين المتوسطة والثانوية، وذلك من أجل إيجاد الشخصية الإنسانية الصالحة السوية والعملية التي تؤدي عملها ودورها التنموي في المجتمع السعودي، وكذلك ترسيخ قيمة العمل المهني واحترامه وتقديره، إضافة إلى سد الاحتياجات المعرفية والمتطلبات من الطاقات المهنية والفنية، حيث يعد إتقان العمل المهني والفني من أهم عوامل تقدم الدول، مشيرا إلى أنه يتضح تحقيق الأهداف من خلال تنظيم الدورات التدريبية المتنوعة لطلاب التعليم العام في عدد من التخصصات كالتقنيات الحاسوبية، وصيانة الجوال، ومبادئ الكهرباء، وأساسيات الإلكترونيات، والخياطة إضافة إلى الدورات الأخرى التي تنفذ داخل الكلية التقنية والمعهد المهني الصناعي بالعاصمة المقدسة. مزيد من المشروعات وكشف مدير فرع معهد ريادة بمكةالمكرمة إبراهيم بن محمد الغامدي أن المعهد دعم 60 شابا بأكثر من خمسة ملايين ريال وذلك لافتتاح منشآتهم الصغيرة بعد أن استكملوا الإجراءات والشروط المطلوبة، مشيرا إلى أن الدعم المادي يتم عبر البنك السعودي للتسليف والادخار حسب الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين. ويقول الغامدي إن المعهد يرحب بأي شاب سعودي تكون لديه الرغبة الجادة في العمل المهني من خلال افتتاح منشأة صغيرة شريطة أن يكون هو من يدير هذه المنشأة «المعهد يقوم بتدريب وتأهيل وتقديم التوجيه والإرشاد للشباب والشابات لتمكينهم من تأسيس وإدارة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في المجالات الصناعية والتجارية والخدمية لتكون بديلا وطنيا عن العمالة الوافدة غير المؤهلة التي تكبد الاقتصاد الوطني خسائر طائلة، ويهدف المعهد لتأسيس عشرة آلاف مشروع خلال خمس سنوات وتطوير البرامج وتهيئة الكوادر البشرية اللازمة لنجاح العمل في مجال الريادة وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بهدف خلق فرص عمل حقيقية للشباب السعودي في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة على المدى الطويل»، مشيرا إلى أن الشباب استفادوا من المعهد بنسبة 100 % سواء مهنيا أو ماديا حيث يتم صرف مكافأة شهرية للشاب مقدارها ثلاثة آلاف ريال لمدة عامين وهي غير مسترجعة «المعهد تلقى دعما كبيرا من شركة أرامكو السعودية وشركة الاتصالات السعودية وشركة الصناعات الأساسية سابك ومصرف الإنماء والبنك السعودي للتسليف والادخار والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني»