تؤرق ظاهرة التسلل المختصين في المجالات الأمنية، الاجتماعية، والاقتصادية، رغم ما تبذله الأجهزة الأمنية من جهود حثيثة للتصدي للموجات البشرية الغازية. وتعد الحدود الجنوبية للمملكة أكثر المناطق تعقيدا من حيث التضاريس الجغرافية المتمثلة في السهول، الأودية، الجبال والبحر. كذلك تكوينها المتداخل كأسنان المشط أو أكثر تعقيدا، بيد أن الجهود الأمنية نجحت بكل اقتدار في اعتراض المحاولات المستمرة للتسلل، وضبط العديد من المتسللين والمهربين، حيث بينت الدراسات أن 83% من المتسللين يفشلون في تجاوز الحدود إلى المملكة، وهو ما يؤكد يقظة رجال الأمن العاملين على الشريط الحدودي، الذين يعترضون نحو 100 متسلل يوميا ومن جنسيات يمنية، أثيوبية وصومالية وغيرها من الجنسيات الذين يشقون طريقهم إلى كافة مدن المملكة وخاصة الكبيرة منها، وبما يمكن اعتبارهم قنابل موقوتة في شوارعنا. ضعاف النفوس وقال محمد قاسم (متسلل يمني)، انه وصل إلى مدينة جدة، بعد أن عبر حدود المملكة مع اليمن، متخذا مسارات وطرقا عديدة باتجاه الأراضي السعودية، ويضيف «المسألة لا تحتاج سوى قطع بضع كيلومترات مشيا أو بركوب الحمير المدربة التي تستخدم أحيانا في تهريب الممنوعات». وزاد «هناك من يساعدنا على التسلل عبر الحدود إلى جازان، وهناك من يقلنا إلى جدة بسيارات خاصة مقابل 2500 ريال». وعن الحيل التي يستخدمها المجهولون للتسلل عبر حدو اليمن قال عبدالله هزاع «نلجأ إلى استخدام حيل وأساليب خداع مختلفة للتخفي، ومن بينها التنكر في ملابس نسائية، وارتداء أحذية إسفنجية لا يظهر أثرها على الأرض، أو ارتداء الحذاء بشكل معكوس بحيث يظن من يرى الأثر أنه لشخص أو لأشخاص مغادرين وليسوا داخلين». إيواء المتسللين ويسعى بعض المواطنين إلى استغلال مجهولي الهوية في مصالح شخصية، ضاربين عرض الحائط بالمصلحة العامة، عبر تشغيل المتسللين في الزراعة والرعي، أو والبناء وفي كافة الأعمال الحرفية بمالغ زهيدة. وتضبط الأجهزة الأمنية أعدادا من المتسللين المجهولين داخل القرى والمدن السعودية حيث ينتشر المتسللون بكثرة في الأسواق وفي حلقات الخضار ويعملون في بيع الأسماك والفواكه والخضار بأسعار زهيدة ويسعى المتسللون للعمل في المزارع حيث يقوم صاحب المزرعة بالتستر عليهم وتشغيلهم في مزرعته براتب لا يتعدى 200 ريال في الشهر. مساكن شعبية ويسكن غالبية المتسللين في العراء، وهناك من المواطنين من يسهل إيواءهم داخل غرف في منازل شعبية أو مهجورة، مقابل أجر شهري بسيط يدفعه المجهول، كما يسكن بعض المجهولين المتسللين أيضا في المقابر ومحال العمل التي يوفرها لهم أرباب العمل، بالإضافة إلى الأودية والأسواق. وقال عصام علي سالم (متسلل) انه يعمل في بيع الخضراوات داخل محافظة جدة، بعد أن قدم إليها متسللا عبر الحدود منذ اربعة اشهر، ويسكن في منزل قديم بحي الهنداوية. وقال: البعض منا يسكن في الأحياء الشعبية وآخرون تحت الجسور، أو في سوق الخضراوات، فيما ذكر وهاب وهو متسلل، ان صاحب المنزل يعلم اننا من المتسللين ولكنه لا يهتم سوى بما يجنيه من مال نهاية الشهر، في حين بين عبدالله زيد أن هناك من يعمل في الشركات والدوائر الخدمية، في إعداد الشاي والقهوة وغسل المركبات وذلك ضمن اتفاق مسبق يكون مع قريب لنا مقيم. اتفاق مسبق أما محمد علي وهو أصغر المتسللين، فأشار إلى ان رحلة التسلل لا تبدو بالصعوبة التي قد يتخيلها المرء، وقال «الأمر لا يحتاج سوى عبور الحدود والوصول إلى مدينة جازان، ومن هناك نواصل طريقنا حتى نصل لوجهتنا داخل المملكة، وذلك عبر سيارات خاصة مقابل مبلغ مالي، ومن لا يملك المال يتم الاتفاق مع قريب له عبر الجوال، وعند اقترابنا من الجهة التي نقصدها يضع القريب المبلغ المالي المتفق عليه في حساب السائق». ويضيف «إذا فشل القريب في تأمين المبلغ يحدث شجار بين السائق والراكب وقد يتطور الى استخدام السلاح الأبيض وقد ينتج عنها إصابات وهناك الكثير من القصص». ترويج الممنوعات وفي منطقة البلد وسط جدة، وتحديدا في الجهة المقابلة لمبنى البريد السعودي، هناك من يعرض من المتسللين الأقراص المدمجة التي تحوي الأفلام الإباحية على قارعة الطريق وجل زبائنهم من المراهقين من الجنسين بأسعار لا تتعدى العشرة ريالات للقرص الواحد، دون حسيب أو رقيب، وهو ما يثير حفيظة المواطنين الذين تساءلوا عن أسباب غياب الجهات المعنية عن ملاحقة هؤلاء المخالفين الذين لا يخشون كما يبدو الملاحقة بل يمارسون عملهم الهدام بحرية تامة. أرباب سوابق وأوضح هادي خميسي، أن اعداد المتسللين في محافظة جدة كبيرة، ويعملون في كافة المجالات مثل الرعي، الحراسة وبيع الخضروات وغسل المركبات في الشوارع، والجميع يرغب في الرحيل بانتهاء مهلة التصحيح نهاية العام الجاري. وبين علي بن علي كما رمز لاسمه وهو يمني الجنسية، أنه قدم الى المملكة عبر التسلل، كاشفا ان هناك العديد من أرباب السوابق بين المتسللين، وهؤلاء يأتون إلى المملكة بغرض السرقة وكسب المال بشتى الطرق. وقال «تلجأ هذه الفئة إلى السلب والسرقة بالإكراه، وبعضهم عليه محكوميات في بلده فيضطر للتسلل إلى المملكة هربا من الأحكام الصادرة بحقه»، مشيرا إلى وجود جنسيات أخرى تعبر الحدود من اليمن الى المملكة منها الصومالية والاثيوبية وجنسيات أخرى، ومعظم سبق أن أبعد من المملكة لارتكابهم جرائم مختلفة ولكنهم سرعان ما يعودون عبر حدود اليمن بطرق التهريب المختلفة. نساء متسللات وفي موازاة ذلك، أوضحت امرأة متسولة تحمل طفلا بحي الروضة، أن الطفل الذي تحمله أنجبته من رجل يمني تعرفت عليه في اليمن وتكفل بعبوري الحدود شريطة ان تتزوجه، ووافقت على شروطه. وتضيف «مكثت معه ستة أشهر بعدها تكفل بعبور إلى منطقة جازان وحتى وصولي إلى جدة».