قبل اختراع العطور و«البرافانات» الحديثة، حرص الإنسان في جنوب المملكة على التطيب بالنباتات العطرية والأزهار في تقليد عرف في منطقة الباحة وتحديدا المخواة ب«التغرز» أو «الغرزة»، ولا يزال كبير السن يتمسكون بهذا التقليد على الرغم من المد الحضاري الذي اجتاح مناحي الحياة. و«التغرز» هو غرس النباتات العطرية كالرياحين والكادي في شعر الرجل أو بين عمامته، وهي مظاهر تبدو بجلاء في المناسبات السعيدة المختلفة كالزواج والأعياد ونحوها. وأوضح محمد الدراوشة أنه يحرص على زراعة الرياحين في فناء منزله الذي بناه حديثا في قلب مخطط، لافتا إلى أنه لا يسير إلا والنباتات العطرية على رأسه، مثل البرك والشيح والكاذي والشذاب. وذكر الدراوشة أن الغرزة كان تقليدا جميلا في الماضي، بل كان الأصل في الزينة «التغرز» ولكن بعد ظهور العطورات الحديثة توارى هذا التقليد ولكنه لم يختف. وقال «عندما تحل مناسبة اجتماعية كالزواجات أو الطهار أو طينة (مناسبة إتمام واكتمال المنزل الجديد) أو خطرة (زيارة خارج القرية) أو الذهاب إلى سوق أو السفر، يتغرز الرجل بأن يقتطف من حوض بيته باقة سواء أكانت ريحانا فقط أو شيحا أو بركا أو كلها مجتمعة ويلفها ثم يربطها ويحملها معه». وأفاد أن طريقة التغرز تأتي بأن يضع الرجل النباتات تحت الطاقية أو تحت العقال فتمنح صاحبها منظرا جميلا وتكتمل بالغرزة زينة الرجل وتمنحه رائحة زكية وزهوا وترتفع حالته المعنوية. وبين أن الغرزة أو الغراز توضع في جيب الرجل وهذا في النادر إلا أنها طريقة معمول بها لكن يستحيل أن توضع في الجيوب السفلية لأنه من الصعب رؤيتها. وأشار إلى أن العادة جرت بأن الغرزة لا تكون للرجل فقط فالمرأة أيضا تتغرز وتضع باقة من الرياحين في شعرها أو في منطقة الصدر أو تلفها في صمادتها (غطاء الرأس) أو ماتتلفع به المرأة في ذلك الزمان فتكون رائحتها زكية. ومن الطقوس المتعارف عليها -بحسب الدراوشة- أن الرجل عندما يخطر على صديق أو قريب ويمكث عنده حتى لو ليلة واحدة أو نصفها فإن صاحب البيت (المضيف)، يقطف له غرزة من أحواض بيته ويغرز بها ضيفه عند الوداع لأن الغرزة التي جاء بها الضيف تكون قد فقدت بعض رائحتها. وألمح إلى أن الرجل حين يعود لمنزله يخلع ثيابه وغترته ويلفها ويضعها مع الغرزة في صندوق من السيسب هو حقيبة خشبية تعرف بالسحارة وتحفظ فيها الأشياء وتغلق وعندما يحتاج لبسها صاحبها في المرة القادمة يجدها مضمخة بروائح عطرية زكية. ويبدو الدراوشة متفائلا بعدم انقراض هذا التقليد أو غيابه معللا ذلك بقوله: لست خائفا على غياب الغرزة لأن هذا التقليد المتوارث لا ينحصر في كبار السن بل يحرص عليه في بعض نواحي تهامة بعض الشباب حيث تجد في مناسبات الزواج على وجه الخصوص الكثير من الشباب متغرزا وهو يزهو بما يفعله وهذا ملمح جميل يعزز من استمرار حضور الغرزة في مشهدنا الحاضر. إلى ذلك، أفاد أبو عبدالله أنه شخصيا يحرص على حضور المناسبات الاجتماعية متغرزا كونه اعتاد على هذا الأمر منذ نعومة أظفاره، مشيرا إلى أن الباقة العطرية التي يتغرز بها تتكون من الريحان والبرك والشيح، بينما تكون هناك غرز من البرك فقط.