رغم الصيحات الجديدة في عالم العطور، ودفع الشركات بمئات المنتجات العطرية سنويا إلى الأسواق إلا أن النباتات العطرية لا تزال تسلك جانبا تنافسيا لها عند البسطاء وكبار السن ولدى القاطنين في الأحياء الشعبية والذين تربطهم بها قصة عشق أزلية، فلا بديل منها في كل مناسبة، بل إن هنالك أسواقا مخصصة لبيعها في جنوبجدة، ففي غليل وجدت نساء سعوديات ضالتهن في الكسب من خلال بيع الروائح العطرية التي يزرعنها في منازلهن ومن ثم بيعها لطالبيها. ففي الصباح الباكر، تتجه أم حسن إلى السوق الشعبية حاملة معها أكياسا من الروائح العطرية المختلفة المخصصة للبيع وأخرى على شكل نباتات مزروعة في أحواض تساعدها في نقلها جاراتها اللاتي يمتهنّ نفس المهنة. وتشير أم حسن إلى دخلها اليومي وغيرها العشرات من اللاتي يمتهنّ نفس العمل لا يصل إلى 50 ريالا يوميا ويرتفع في أيام إجازة الأسبوع إلى 100 ريال أو أكثر. ويؤكد سعيد المرواني وهو أحد القادمين للشراء أن هؤلاء النسوة يبعن الروائح العطرية منذ زمن بعيد، ويلجأن إلى توفيرها يوميا لطالبيها رغم أنهن أحيانا لا يجدن إلا ربحا ضئيلا، خصوصا أنهن يتنقلن بها من منازلهن ويقضين جل وقتهن في بيعها، ولكنهن مكافحات ويقمن بذلك لمكافحة الفقر وتوفير لقمة عيش بالحلال لأسرهن، مضيفا أنه يتوجه إلى السوق الشعبية أسبوعيا للحصول على نباتات عطرية لأن أسرته تطلبها منه بشكل دائم، مضيفا أنه يضعها في سيارته لأنها تضفي عليها رائحة تغنيه عن الروائح الحديثة. وخلال جولة «شمس» على البائعات امتنعت إحداهن عن الكلام واكتفت بقولها: «اتركونا في حالنا»، فيما بادرت أخرى بسؤال مفاده: «هل أنتم من البلدية»؟ وأكدت بائعة مسنة أن هنالك مضايقات من قبل بائعات وافدات دخيلات على المهنة ومن بعض المراقبين الذين يحاولون طردهن من بعض المواقع إلى أخرى، مؤكدة أنهن يبعن من أجل توفير مصاريف أبنائهن وأحفادهن ويجدن في ذلك طريقا ميسرا رغم مشقة البيع والانتظار وتراجع الإقبال ولكنها تؤكد أن البيع أفضل من سؤال الناس. وتبيع النسوة (معظمهن من الأرامل والمطلقات والمسنات) نباتات عطرية تشتهر السعودية بزراعتها مثل الريحان والكادي والبرك والشذاب والدوش والورد والفل وغيرها وتحرص العديد من العائلات على اقتنائها بالمنزل وتتوشح بها بعض النساء في زينتهن، خصوصا من كبيرات السن في عدة مناطق خصوصا في جازان وعسير ومكة المكرمة وتقبل عليها بعض الأسر خصوصا في المناسبات الاجتماعية، وعادة ما تباع بشكل دائم في بعض الأسواق الشعبية في المناطق وتشترى وفق تقاليد وعادات متأصلة في بعض القبائل. ورغم اندثار ثقافة الإقبال عليها تدريجيا إلا أن وجود مواقع مخصصة لبيعها وتدافع العديد من النساء للعمل أعاد ثقافة استخدامها والإقبال عليها من جديد، ووفر بيئة لهؤلاء النسوة للكسب الحلال.