هناك (4) حقائق أساسية هامة ركز عليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خطابه الموجه إلى الإنسان في مشارق الأرض ومغاربها (بصورة عامة) وإلى الشعوب العربية والإسلامية (بصورة خاصة) هي: إن العالم مهدد باستمرارية الإرهاب.. وبتداعياته الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية على سائر أمم الأرض في وقت أخذ فيه العالم يتراخى في التعاطي معه أو الاهتمام بأخطاره المتزايدة بصورة ملحوظة. إن حالة الصراع والصدام والمواجهة السائدة بين أمم الأرض وبصورة أكثر تحديدا بين الدول والشعوب العربية والإسلامية تقود مجتمعاتنا إلى مصير مجهول ومخيف بسبب «صراعات» وشعارات ما أنزل الله بها من سلطان حفل بها الأعداء والمتربصون.. لتبيح بذلك قتل الأبرياء وترويع الآمنين وهتك الحرمات مدعومة بإرهاب فكري أباح بنظرياته الحزبية ومطامعه السياسية شتى ذرائع التأويل والتدليس على الناس من خلال توجيه نصوص الشرع الحنيف والتطفيف فيها وفق مرادهم فمنها ما يغيب تارة ويحضر أخرى حسب المطلب والغاية وهذا الدخيل الفكري يتوشح في تأويلاته وتحركاته بعباءة الدين والتعلق بالله ودين الله منه براء (كما قال خادم الحرمين الشريفين). إن هناك من انتحلوا صفة «الإصلاح» فكذبوا، واختطفوا عقول السذج فضلوا وأضلوا.. سواء كان ذلك عن طريق استغلال الدين.. والظهور بمظهر المنقذين.. والموجهين.. والمصلحين.. لأوطانهم ومجتمعاتهم.. في والوقت الذي ينبئنا تاريخهم .. وسجل حياتهم اليومي.. وممارساتهم في الداخل والخارج على أنهم دجالون.. ومستغلون.. ومتكسبون من وراء رفع راية الإصلاح.. فيما هم يعيثون في الأرض فسادا.. في القيم والمعاملات.. أو كان ذلك عن طريق من تمسحوا بمسوح السياسة.. وتدرعوا بقيم العدالة والديمقراطية وحقوق المواطنة.. وهم من أكثر الناس تعديا عليها.. وتجاوزا لأبسط قواعدها.. وروادعها.. كما تؤكد وتثبت ذلك وثائق ومعلومات أجهزة المعلومات الراصدة لهم في أكثر من دولة .. وداخل أكثر من هيئة ومنظمة وجهاز.. أو كان ذلك من خلال الظهور بمظهر الجلال والوقار والإرشاد وهم منشغلون في حقيقة الأمر بتوجيه طاقات الأمة نحو التأسيس لثقافة أممية.. تلغي من حسابها أسس وقواعد ومرتكزات المواطنة.. وتجير الولاء من الأوطان لحساب التكتل والجماعة ورموزها وبما يقترب من درجة «تأليه» لبني الإنسان.. ويخالف بذلك أسس وثوابت العقيدة الإسلامية القائمة أساسا على الولاء لله الخالق والانتماء للأوطان .. والانصياع لولي الأمر المبايع على الكتاب والسنة.. وليس على أساس «الطاعة العمياء ولأفكار الحزب أو التكتل أو الجماعة». إن إراقة الدماء .. باتت قنطرة يعبرها الطغاة والقساة والمتسلطون لترسيخ قواعد حكمهم.. أو فرض تطلعاتهم وطموحاتهم على حساب الشعوب المغلوبة على أمرها.. كما يحدث في أكثر من موقع على خارطة العالمين العربي والإسلامي.. وتلك مأساة حقيقية لاسيما في ظل تواطؤ بعض دول العالم.. وصمت البعض الآخر.. وكذلك في ظل حسابات إقليمية ودولية خطيرة.. تكاد تنبئ عن خارطة طريق جديدة لمنطقتي الشرق الأوسط وجنوب وشرق آسيا وكذلك في أفريقيا.. •• هذه الحقائق الأربع.. التي حذر منها الملك أكثر من مرة.. وجاء ليلة عيد الفطر المبارك لينبه العالم إليها مجددا.. ويفتح أعيننا على طرق ووسائل وأساليب وآليات العمل على مواجهتها والتصدي لها.. تفرض علينا اليوم أن نراجع كثيرا من حساباتنا.. وننظم صفوفنا من جديد.. ونتنبه إلى ما حولنا.. ونهيئ أنفسنا للدخول في معركة مصير حتمية من أجل البقاء.. والاستمرار.. وضمان الاستقرار.. •• ولكن كيف يمكن لنا أن نحقق ذلك.. ونتجنب.. تلك الأخطار المدمرة الداهمة لنا؟! •• يمكن لنا ذلك.. كما أوضح الملك بالتنبه إلى الأمور التالية: إن الفكر المنحرف الذي أسس لشرخه العميق في خاصرة أمة الإسلام.. أشد على أمتنا خطرا وأعمق فتكا من حراب عدونا المتربص علنا بنا.. وبالتالي فإن علينا أن نطهر عقولنا.. ونفوسنا.. ومشاعرنا.. وبالذات عقول ونفوس ومشاعر شبابنا الصغار من تأثيراته الخطرة حتى لا يقعوا فريسة أفكارهم المسمومة.. وطروحاتهم البراقة.. فيستمروا في الانصياع وراءهم وهم يحسبون أنهم دعاة خير.. ومصادر إصلاح.. بينما هم ينفثون عقدهم.. وتراكماتهم.. في الأذهان مأخوذين بعوامل البروز والشهرة والدجل اليومي عبر جميع الوسائط في كل الأوطان وعبر كل الساحات والقنوات والمؤثرات.. وليس من سبيل إلى ذلك إلا بكشف الأوراق ونشر المعلومات والحقائق الصحيحة عنهم أمام الأمة.. وحتى لا يتمادوا أكثر في استغفال الشعوب والمجتمعات.. إننا ومع هذا الواقع الأليم الذي تعيشه أمتانا العربية والإسلامية مطالبون (كما قال الملك) بالوقوف وقفة حازمة مع النفس (أولا) لإصلاح شأن الأمة الذي يبدأ من إصلاح الذات والاتفاق على كلمة سواء.. والتصدي بكل عزم وحزم لدعاة الفتنة والضلال والانحراف الذين يسعون لتشويه سمعة الإسلام.. سواء كان هؤلاء من داخل أوطاننا ومجتمعاتنا أو كانوا من خارجها.. وسواء كانوا أفرادا أو جماعات أو منظمات.. أو دولا تتربص بنا وتستخدم أدواتها من داخل أوطاننا.. وتوجه سهامها إلينا من كل الاتجاهات، وبالتالي فإن علينا أن نعرف.. من هم؟!.. وكيف يفكرون..؟! أو لحساب من.. وماذا يعملون..؟! وكيف نسقط دعاواهم.. وذلك بتعريتهم.. وكشف عوراتهم.. وقطع دابر تأثيرهم في مجتمعاتنا.. وإحباط جهودهم للاستيلاء على عقولنا.. أو السيطرة علينا.. أو التعدي على مقدراتنا.. إن هؤلاء المضللين.. والأفاكين.. يعتبرون أدوات للإرهاب ومعول فساده (كما قال الملك) لمحاولة هدم قيم الإسلام الرفيعة ومعانيه الجليلة.. حتى وإن رفعوا رايات الإصلاح.. والتدين.. وادعوا الحرص على نشر العدالة.. وحماية حقوق الإنسان.. ولذلك فإن حربنا معهم تبدأ وتنتهي.. بنشر قيم الإسلام الصحيحة.. وإشاعة ثقافة التسامح.. ونبذ كل عوامل التفرقة والتمييز ونشر العدالة والمساواة في الأرض.. للقضاء على مسببات الشقاق والفتنة والانقسام الذي أصبح صفة غالبة لأكثر مجتمعاتنا مع كل أسف.. •• وحتى يتحقق ذلك وصولا إلى «التوحد» المنشود فإن علينا أن نخاف الله في أنفسنا.. وعلى أوطاننا.. وأن نغلب مصالحها العليا.. ونتغاضى عن القليل من مصالحنا وحقوقنا الذاتية وننصهر في بوتقة الأوطان.. ونعيش حياتنا في ظل ركائزنا الأساسية.. ولا نعطي فرصة لحاقد أو طامح.. أو موتور أن يدس أنفه في صفوفنا.. وأن يفتت روابطنا.. ويضعنا في حالة مواجهة مع بعضنا البعض.. لأن النتيجة التي سيقودنا هؤلاء إليها هي نفس الواقع المحزن والمؤلم الذي تعيشه أوطان انهارت قبلنا بفعل الدسائس وأسباب الفرقة.. وبذر بذور الفتنة بين أبنائها وتزيين الاحتراب والاقتتال لها.. وضربها ببعضها البعض.. *** •• لكل ذلك.. فإن هذا الصوت المؤمن.. والقوي.. والحكيم عندما ينطلق من أقدس بقاع الأرض وأطهرها إلى الإنسانية جمعاء.. فإنه لابد أن يُسمع بنفس القوة.. ولابد أن يجد له صدى في نفوسنا.. ولا بد أن يفتح أعيننا على تلك الحقائق الخطيرة التي تحيط بنا.. وتجعل دولنا وشعوبنا غارقة في دوامة لا نهاية لها.. •• ذلك أن «الإرهاب الفكري» الذي عراه الملك وحذر منه ونبه إلى خطورته أشد وأعظم فتكا بالأمم من أي نوع آخر من أنواع الإرهاب.. لأنه يسمم كل الوطن الذي يصاب به.. ولا يستثني أحدا فيه.. لا سيما عندما ينجح في إثارة الشكوك بين أبناء الوطن الواحد.. الشكوك في عقائدهم.. وفي انتماءاتهم.. وفي ثقتهم بمستقبل أوطانهم.. •• وتلك ولا شك مسؤولية مشتركة تقع على كاهلنا جميعا.. مواطنين.. ومؤسسات علمية.. وكوادر أمنية.. وعلماء مستنيرين.. ومثقفين.. وإعلاميين وتربويين وحقوقيين.. وعمالا.. وموظفين.. رجالا ونساء.. شيوخا.. وشبابا.. حتى نحصن أوطاننا.. ولا يأخذنا تيار الجهل بهؤلاء على غرة.. وحتى لا نقع فرائس سهلة أمام ما يروج.. ويتردد من شائعات.. ومعلومات.. وأفكار ضارة عبر مختلف الوسائل.. ونحن سادرون في الحياة اليومية الاستهلاكية القاتلة.