إيمانا منا بأن خطوات إصلاح حياتنا الاجتماعية لا يتأتى سوى باكتشاف المشكلات التي تنخر في مجتمعنا وتلمس أسبابها وآثارها وما يترتب عليها وصولا إلى اقتراح الحلول ومن ثم تبنيها والإسهام في تنفيذها من خلال غرس ثقافة توعوية تخدم هذا الغرض. وهنا اليوم سنرصد عادة سلبية استشرت في مجتمعنا وترتبت عليها آثار اقتصادية واجتماعية أثرت على حياتنا بشكل أو بآخر انها ظاهرة المبالغة والترف البالغ في الإنفاق على حفلات الزواج وبروز ثقافة المباهاة الخداعة في التنافس في ميادين التبذير في هذا المجال والتي لا طائل منها سوى إهدار المال في ما ليس بلازم وإنهاك الحالة الاقتصادية للأسر، وبدلا من أن يشغل العريس وذووه ذهنهم بهذه المناسبة السعيدة التي طال انتظارها نجد ظل هموم تكاد تكسر هاماتهم خلفتها الخسائر الفادحة التي تكبدوها في هذه المناسبة فيتعكر المزاج ويتكدر الصفو خاصة لدى الأسر متوسطة ومحدودة الدخل. وليس هذا فحسب بل إن أثر التبذير والمبالغة في الإنفاق على مظاهر الأفراح تعد سببا رئيسيا لارتفاع نسبة العنوسة في مجتمعنا وسببا رئيسيا في إعاقة كثير من الزيجات التي يحرم بسببها الكثير من شبابنا من إكمال نصف دينهم بسبب الأعباء المادية الثقيلة التي عليهم أن يتحملوها ليتمكنوا من التأهل وهو الأمر الذي يصرفهم عن الزواج وتكوين أسرة ويحول طاقاتهم في بعض الأحيان إلى ما لا تحمد عقباه مما نراه ونقرأ عنه ولا نرتضيه. إن ثقافة المباهاة في الإنفاق المبالغ فيه في أفراحنا ثقافة هدامة لا بد من تكوين موقف اجتماعي إزائها ونبذها وإحلال ثقافة بناءة محلها هي ثقافة الإحساس بالنعمة واستشعار قيمتها ومراعاتها وعدم البطر في إنفاقها إيمانا قولا وفعلا بقوله تعالى «إِن المبذرِين كانوا إِخوان الشياطِينِ وكان الشيطان لِربهِ كفورا» وبكل تأكيد كل واحد منا لا يود أن يكن أخا للشيطان ولا يود أن يكفر بالنعمة وخالقها. نود أن نتكاتف في غرس هذه الثقافة الحميدة وإيصال فكرة إلى كل الشرائح الاجتماعية مفادها أن البساطة في كل شيء هي السحر والجمال الذي لا يقاوم ولا يمل في كل مظاهر حياتنا ومعيشتنا، كما يقع على عاتق العقلاء والمثقفين غرس هذه الثقافة وترسيخها حتى تغدو كسلوك اجتماعي متعارف عليه وذلك بأن يبدأوا بأنفسهم ويطبقوا ذلك في مناسباتهم وأن يجعلوا ذلك يطغى على أحاديثهم ودراساتهم ومقالاتهم ومحاضراتهم في كل مكان حتى يتحقق هذا التحول الإيجابي. ولا يقتصر هذا الأمر على أصحاب الفرح بل يمتد أثره ليصل إلى الضيوف وخاصة في الحفلات النسائية التي تعلو فيها وتيرة التباهي والاستعراضات بالملابس والإكسسوارات وأحاديث الموضة ومنتجاتها التي تنهك ميزانية الأسر وترهق أرباب البيوت التي تتفاوت مستويات معيشتهم وقد لا يستطيع الكثير منهم خوض ميدان التنافس في تلك المباراة السخيفة التي تقحمهم نساؤهم وفتياتهم فيها ولا يملكون إلا أن يتحملوا تلك الأعباء الثقيلة والباهظة حبا وكرامة ومعزة لنسائهم وبناتهم ويا ليتهن يشعرن بمدى تفانيهم من أجلهن فيشفقن بهم وبأنفسهن من هذه المعركة الخاسرة. صالح الشمراني