انتشرت داخل المجتمع السعودي ومجتمعات أخرى عربية وأجنبية خلال السنوات ظاهرة "الزواج الجماعي"، وأسهمت تلك الظاهرة الايجابية في تيسير الزواج لغير القادرين كالأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، لكنها ما زالت قاصرة على فئات بعينها، وتحتاج إلى الدعم والمساعدة حيث تبادر جمعيات خيرية ذات أنشطة متعددة بتوفير الدعم لتجهيز تلك الزيجات. ولا يقتصر دور الجهات المنظمة على النواحي المالية فقط، وإنما يشمل المجالات التوعوية والتثقيفية للمقبلين على الزواج بجميع أنواعها، من خلال التوعية والإرشاد الأسري عبر برامج متخصصة، واستقطاب كفاءات متخصصة لإعداد الحقيبة التدريبية لبرنامج "سنة أولى زواج". "الرسالة" طرحت موضوع إمكانية "توسيع" عملية تطبيق الزواج الجماعي بحيث يستفيد منه كل فئات المجتمع بشكل اقتصادي رشيد، وتوفير التبعات المالية التي تثقل كاهل الشباب المقبلين على الزواج، كما عرضت آليات متنوعة لتطبيق الفكرة من خلال قيام بعض العائلات بتزويج أبنائهم، مع عدد من أقاربهم أو على مستوى الجيران أو الأصدقاء، تحت مظلة جماعية، وبالتالي تتوفر النفقات ويتحقق التعارف والإشهار بشكل أكبر بين أفراد المجتمع في تلك المناسبات السعيدة. في البداية أوضح أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عبدالله بن سعيد عبدالله باخشوين أن الزواج الجماعي ظاهرة ممتازة وايجابية، وظهرت بالمملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة وفي عدة مناطق وثبتت ايجابيتها، وذكر أن اللجان القائمة عليها جمعيات رعاية الأيتام وغيرها من الجهات الخيرية. واستطرد: "وظهرت كذالك في الكثير من المجتمعات العربية الأخرى مثل الأردن واليمن وفي دول غير إسلامية مثل كوريا"، وأوضح أن أهم ايجابياتها تخفيف كثير من أعباء وتكاليف الزواج، وتحقيق التعارف بين أفراد المجتمع، مشيرا إلى أن من الأسباب التي أدت إلى عدم انتشارها بصورة سريعة بين جميع فئات المجتمع السعودي هو أن البعض ينظر لها بأن الفئة التي ارتبط بها عمل زواج جماعي "غير قادرة" وأن المنظمين لها وتتحمل أعباءها جهة خيرية. تعميم الفكرة وأضاف: "من الممكن تعميم فكرة الزواج الجماعي بالمجتمع، وبدون تدخل الجمعيات الداعمة إلا كجهة مشرفه فقط، وأن يكون لكل عريس عدد معين من المدعوين فيحضر عدد كبير هذا الزواج، ويتحقق شرط الإشهار بشكل اكبر"، مشيرا إلى أن العائق الآن أمام الشباب في الإقدام على الزواج يتمثل في غلاء المهور أو تلك التكاليف الباهظة في إتمام مناسبة الزواج. وذكر أن الإقلال من تلك المظاهر التي ما انزل الله بها من سلطان عبر حفلات الزواج الجماعي سوف يخلص الكثير من هذه التكاليف، وقال: "من الممكن إذا ظهرت جهة مختصة تستطيع أن تتولى مهام الاشراف على الزواج الجماعي ستقلل تكاليف الزواج، وبالتالي تقليل معدلات العنوسة داخل المجتمع". وأضاف: "أنا هنا أتحدث عن الزواج الجماعي للقادرين على إقامة أفراحهم بأنفسهم فمثلا لو أقيم زواج جماعي لعشرة أشخاص، وكانت تكلفة الزواج موزعة عليهم لاستطعنا بذلك أن نقلل من الأعباء المالية واستثمار أوقاتنا، وخاصة أن غالبية هذه المناسبات تقام في أوقات الإجازات والتي تعيق البعض عن السفر والاستمتاع بإجازته.. والفكرة عموما تحتاج لمن يسوقها إعلاميا، ويوضح منافعها شرعيا و إقناع الناس بهذه العادة الاجتماعية". وشدد باخشوين على دور شيوخ وأعيان القبائل الذين يستطيعون إقناع أبنائهم بفكرة الزواج الجماعي حتى تسود الفكرة ثم تظهر بصورة أشمل وأكمل بين جميع فئات المجتمع. للاخصائيين دورهم ومن ناحيته قال الدكتور حمد بن عبدالله الماجد أن ظاهرة الزواج الجماعي سائدة في المجتمع السعودي، داعيا أن يتكفل بها الاخصائيون الاجتماعيون والنفسيون، وكذلك العلماء الشرعيون لمحاولة إقناع جميع فئات المجتمع بها كونها توفر المال والوقت على جميع أطراف الزواج وايضا المدعوين. وذكر أن كثيرا يعانون من تكلفه اختيار اللباس المختلف لكل زيجة على حدة والتي أصبحت تتكلف مبالغ باهظة، وقال: "أتمنى أن يتعاون معنا أصحاب الجانب الشرعي من الدعاة والمشايخ في طرح هذا الحل وإبراز جوانبه الايجابية على الفرد والمجتمع.. فالشاب مثلا عندما يريد أن يقدم على الزواج وقد يضع في ترتيباته أن التكلفة مائه ألف ريال، وقد لا يستطيع تنفيذ ذلك، ولكن عندما يتحول هذا الرقم إلى عشرة آلاف مثلا فان ذلك يعد عونا له، ودافعا له في إكمال نصف دينه بعيدا عن الديون والمبالغ الباهظة التي قد تصرف في مثل تلك الحفلات". إزالة الحرج وبيّن عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبدالعزيز سابقًا الدكتور محمد بن سعيد الغامدي أن الزواج الجماعي ظاهره طيبة وتوجه اجتماعي رائع، مطالبا بتشجيعها وتطبيقها على فئات كثيرة من المجتمع، وأضاف: "المفترض من اللجان التي تقوم بمساعدة الشباب على الزواج أن تضع ضمن اشتراطات استلام المعونات أن توجه إلى الزواج الجماعي مع تشجيع غير القادرين لتصبح جزءا من ثقافة وعادات المجتمع". وأشار إلى أن الفكرة بحاجة إلى الدعم المادي والإعلامي لأنها تعين الأزواج في بداية حياتهم كما ترسخ قيمة التعاون بين أفراد المجتمع، وطالب بإزالة الحرج عن المشاركين في مثل هذه الحفلات من خلال توضيح إيجابيات الزواج الجماعي والدعوة إليه في الصحف ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية وشاشات الشبكة العالمية، وبث الوعي بأهميته بوصفها حلا اجتماعيا طبيعيا في ظل التكاليف الباهظة للزيجات. ليس فتوى ومن جهته أكد عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور قيس بن محمد المبارك أنه يجب الرجوع للاخصائيين الاجتماعيين في مثل هذه الأمور لإقرارها وذلك لأن الرأي الشرعي عند طرحه قد يعتبره البعض أنه (فتوى) وأن تطبيقه أمر إلزامي، وقال: "ونحن لا نريد حدوث هذا اللبس، ولهذا يفضل في مثل هذه المواضيع مراجعة الاخصائيين الاجتماعيين لتوضيح أثرها الإيجابي وإقراره". أما الشيخ الدكتور عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء والمستشار بالديوان الملكي فأوضح أن الزواج الجماعي فكرة سامية وناجحة، سائلا الله تعالى للقائمين عليها بالخير والبركة وان يجعل عملهم خالصا لوجهه الكريم، وأن يثيبهم ويجزيهم أجرهم، وذكر أن الاستجابة لمثل هذه الفكرة أمر جيد جدا والإعداد لها مطلب للجميع، وهي تعد من التنافس في الإحسان قال تعالى (وفي ذلك فلينافس المتنافسون). وأما من ناحية إقراره أو إجبار فئة معينة من الناس بهذا الزواج فأوضح انه يؤيد مثل ذلك لأنه يعد من أعمال الإحسان لقوله تعالى (ما على المحسنين من سبيل) والسبيل هنا يقصد به الإجبار و الإكراه. ورد على سؤال وجهته له "الرسالة"عن رفض بعض أولياء المتزوجين من البنين والبنات الدخول في حفلات الزواج الجماعي، قال عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء معالي الشيخ أحمد بن علي سير المباركي: "مع المبالغة في التباهي بحفلات أبنائهم التي يقيمونها بمفردهم، أرى كل شخص حرا فيما يراه مناسبا، ولا يلزم أولئك بالدخول في حفلات الزواج الجماعي، ما لم يرغبه ويحبذه ومادام الأمر في ذلك واسعا، أما من يرفض بدعوى أن تلك الحفلات الجماعية التي تتم للمتزوجين حرام ونحوها من الدعاوى الباطلة، فهنا ينبغي مواجهته، وبيان الحكم الشرعي الصحيح في تلك الحفلات". وحول قصد البعض إقامة حفلات مفردة للمباهاة، قال المباركي: "لا يمكننا الحكم على نيات الناس، وما وصل لحد الإسراف والتبذير فإنه لا ينبغي فعله، وحكم الإسراف والتبذير في الشريعة الإسلامية معلوم". الشهراني: من الصعب فرضها.. والأهم الاقتناع الذاتي بها أوضح المدير التنفيذي للملتقى العالمي للعلماء والمفكرين المسلمين الدكتور سعد الشهراني أنه من الصعب إلزام الشباب بالفكرة لأنها تنبعث من وجود قناعة ذاتية ولا يمكن فرضها، وقال إن هذا العمل تطوعي واحتسابي من الجهات الخيرية، وبعض الناس تشعر بالحرج من المشاركة في الزواج الجماعي، رغم ما تنطوي عليه الفكرة من حلول واقعية لتيسير سبل الزواج أمام الشباب وتقليص عدد العوانس. ودعا إلى تكثيف الدعوة إلى الإقبال على هذا الزواج والتشجيع عليه، وتحديد أنسب الأوقات الملائمة له من فصول السنة، وطرح بعض الجوانب التنظيمية المتعلقة بالأعداد التي يتاح لها المشاركة في كل حفلة، وبما يضمن انجاز الفكرة بدون أي عوائق. باروم: الإسراف والخيلاء في الأفراح خلق ذميم حذر الدكتور علي بن محمد باروم من الإسراف والتبذير والمباهاة في المناسبات والأفراح، مشيرا الى أن الاعتدال في كل شيء مقصد سامٍ، ففي باب الإنفاق لابد من التوسط والاقتصاد، وفي ذلك يقول الله تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملومًا محسورًا)، وأنه كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (( وأسألك القصد في الغنى والفقر )). وأشار إلى أن الشح مذموم، وكان سبب هلاكٍ للأمم السابقة كما أخبر النبي عليه السلام، كما أن الإسراف والتبذير وصف مقيت، ولذلك وصف أهله بأقذع الأوصاف؛ فالمسرفون قال الله فيهم: (وأن المسرفين هم أصحاب النار)، والمبذرون ورد فيهم قوله تعالى: (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين). وقال باروم: "أيُّ خيرٍ في فعل يُلام المرء ويتحسر عليه، وأي سرورٍ بوصف يورث الإنسان النار، ويجعله في عداد إخوان الشياطين، ولهذا يربأ المسلم عن مثل هذه الأفعال التي تحمله على الملامة والحسرة، وينأى بنفسه أن يكون من إخوان الشياطين، وأن يوق نفسه من النار والجحيم". وأبدى استغرابه مما يسمع مما يحصل في بعض الأفراح والمناسبات من سرف ومخيلة، وتبذير ومباهاة نهى الشرع عنها، وحذر منها، فضلًا عن كونها تضييعًا للأموال التي سنسأل عنها؛ ((وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه))، ولهذا جاء في الحديث: (وكان ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال).