ذهبت إلى أحد الأصدقاء لزيارته، وعند قرع الجرس فتح أحد أطفاله الصغار الباب فسألته عن وجود والده فقال: (أبوي يقول لك هو مش موجود) وبعد إلحاح وتودد للصغير ابن صديقي الكبير قال انتظر قليلا وذهب لوالده ونقل الرسالة. فخرج والده وهو يضحك ويقول أفكرك واحد ثاني، وأثناء جلوسنا في البيت صرخ الطفل بابا بابا مفتاح السيارة ضاع وكان يقصد ممازحة والده بضياع المفتاح فنهره والده فخاف وقال أمزح أمزح وأخرج المفتاح، فقال الأب ما قلت لك الكذب حرام ؟ فقال الطفل بكل براءة ووضوح : يعني حرام على الصغار وحلال على الكبار.. انتهى. لا شك أنه درس عملي تعلمه الأب والطفل والضيف معا، وبلا شك فإن التربية ليست أمرا سهل المنال، وليست طريقا ممهدا لكل السالكين، بل هي جهود وتفان والتزام ونصائح وتوجيهات وعمر مديد في مجاهدة النفس ومكابدتها وتطويعها في التوجيه وأهم من ذلك القدوة الحسنة. فالطفل لا يرى أعظم من أبيه على وجه الأرض فهو يقلده في حركاته وسكناته وتصرفاته وكلامه فيختزل عقله الباطن كل ما يراه من أبيه ويقلده دون تفريق أو تمييز إن كان ذلك صوابا أو خطأ. يقول أحد الأطباء إنه ترك التدخين بسبب أحد الأطفال الذي راجع عيادته، حين رآني أدخن في الخارج ألقى بالعلاج في الحاوية وقال لأبيه أريد دكتورا ثانيا ما يدخن وكان يصرخ ووالده يحاول يأخذ العلاج الذي رمى به طفله ويسكته أمام الناس بعد أن أحرج الطبيب.. كثير منا يوجه أطفاله نحو السلوك الحسن والصفات الحميدة بألا يكذبوا أو يسرقوا أو يدخنوا أو يجالسوا الفاسدين وهذا بلا شك شيء محمود ومندوب إليه، ولكن ما يحزن أنك تجد هذا الأب لا يطبق أيا من تلك النصائح على نفسه وبالتالي تغيب هنا عوامل القدوة الحسنة وينتج عن ذلك الازدواجية في نفس ذلك الطفل وهو يرى والده ينصحه ويوجهه بأشياء حسنة ثم سرعان ما يقع الوالد العزيز فيها. القدوة الحسنة هي السبيل الأمثل في التربية ليس ذلك على عاتق الوالدين فحسب بل على مستوى المعلم وإمام المسجد والأخ الكبير وكل من هو أهل للثقة والقدوة الحسنة، ما أجمل أن يكون المرء صادقا مع الله أولا ثم مع نفسه ومع الناس فيربي نفسه على الخير والصفات الحسنة أولا ثم بعد ذلك يربي أسرته وكل من استرعاه الله عليهم من طلاب وغيرهم. راجح ناصر البيشي (جدة)