لا تكاد تمر بشارع أو تقف عند إشارة مرور أو تذهب إلى الأسواق والمساجد والميادين العامة في عروس البحر الأحمر جدة خلال أيام هذا الشهر المبارك حتى تصطدم بالكثير من المتسولين، رجال ونساء وأطفال ومن جنسيات مختلفة، وهم يستغلون أيام شهر رمضان، حيث يكون الناس أكثر جودا وتصدقا، ولكن الشيء الملاحظ أن هناك متسولين يعمدون إلى تدبيج عاهات جسدية مصطنعة من أجل استدار عطف المحسنين، وهناك الكثير من السيناريوهات التي جرى ضبطها لمتسولين أجانب بعاهات مصطنعة في مواقع مختلفة. وأجمع عدد من المواطنين أن التسول أصبح بمثابة ملمح في الكثير من المواقع في جدة رغم جهود الجهات المختصة لضبط هؤلاء الذين ينتشرون بجوار إشارات المرور أو في ساحات الأسواق. وتشير بورصة التسول أن المتسولين يستعدون لرمضان منذ شهر أو أكثر، حيث تبدأ المفاوضات لاصطناع العاهات التي تلفت جيوب المحسنين، فيما تجد البعض يحملون تقارير مدفوعة الثمن من بعض المستشفيات والمتضمنة بأنهم مصابون بأمراض مزمنة، فيما تذهب غالبية النساء لاستئجار أطفال من بعض أبناء جلدتهم لكي يقوموا بالتسول بهم على أجر متفق بين الطرفين تدفع في نهاية الشهر. «عكاظ» أمسكت عصا هذا الملف وحاولت نثر أوراقه على طاولة أطياف من المجتمع، إذ أوضحت في البداية الأخصائية الاجتماعية الدكتورة نهلة عباسي أن التسول بلا شك أصبح ظاهرة مؤذية وهي ظاهرة ليست بجديدة على المجتمع، ولكن طرق وأساليب التسول نفسها تتجدد وتختلف باستمرار، لدرجة أن التسول أصبح بمثابة وظيفة تمارس بشكل منتظم وبهيكلة واضحة يديرها في بعض الأحيان أشخاص وافدون من ضعاف النفوس، حيث جرى اكتشاف بعض الشبكات التي تجلب صغار السن من بعض دول الجوار وتشغيلها في المدن الحيوية داخل البلد وخاصة جدة من أجل ممارسة التسول. وتساءلت الدكتورة عباسي بقولها «كيف يمكن لطفل لم يتجاوز عمره الحادية عشرة قطع الآف الأميال للعمل في التسول عن طريق إحدى الشبكات التي تعمل في الخفاء وليس لها هم إلا جمع المال بأي وسيلة كانت؟»، وروت بأن التساهل في هذه الظاهرة قد يجرنا إلى كوارث لاسمح الله، وطالبت الدكتورة نهلة بأن تتحد جهود مؤسسات الدولة مع القطاعات الخيرية والمتخصصين في هذا الشأن للخروج من أزمة انتشار المتسولين. وبما أن للمتسولين طرقا وأساليب تتنوع وتختلف باختلاف الوقت، اتجهت عدسة «عكاظ» نحو إحدى الإشارات في شارع المكرونة، فرصدت العدسة ظاهرة التسول المبطنة حيث يقوم بعض الآباء الوافدين بتزويد أطفالهم الذين لم يتجاوزا السادسة والسابعة من أعمارهم ببعض السلع كالعلك والحلوى وخلافه يكون القصد من ذلك التسول بطريقة مبطنة وليس بيع العلك، حيث إن أغلب العابرين لا يشترون العلك وإنما يتصدقون على هؤلاء الأطفال والذين يمارسون التسول بطريقة مبطنة. أحد المتسولين والذي لم يتجاوز عمره 15 عاما الذي تردد في الحديث روى تفاصيل قصته وسبب تسوله وقال إنه أتى إلى المملكة عن طريق التهريب منذ ما يقارب الشهرين حيث إن موسم رمضان يعد أحد المواسم التي يجنون فيها أرباحا من التسول وبعدها نغادر إلى بلادنا. وعن كيفية سكنه وتأمين معيشته قال «أرسلني والدي مع مجموعة من الأطفال الصغار من الأقارب إلى أحد المعارف الذي يعمل في جدة بحيث يؤمن لي السكن والمعيشة مقابل مبلغ مالي يدفعه له من عائد التسول يصل إلى 3500 ريال عن الفرد الواحد حتى نهاية رمضان ومن ثم يتكفل بإرجعانا عن طريق التهريب». وأضاف المتسول الصغير أن هذه تعد المرة الثانية التي يأتي فيها من بلاده للتسول في رمضان وقال «نجني يوميا ما يقارب 500 إلى 600 ريال وأنه يقوم يتغيير المواقع يوميا خوفا من الملاحقة ولكنه في بعض الأيام يحتال بطريقة أخرى وهو التسول عن طريق تنظيف زجاج السيارات الأمامي عند الإشارات أو الأسواق وكثير منهم من السائقين تأخذهم الشفقة فيعطوني مبلغا ماليا من دون قيامي بتنظيف الزجاج. وفي نفس السياق، كانت هناك ثمة امرأة أفريقية تجلس بجوار مركز تجاري وروت على مضض بأنها تمارس التسول طيلة أيام السنة ولكن بفترات متقطعة وعندما يحين رمضان تكثف نشاطها خصوصا عند مراكز التسوق حيث تقوم بجلب أطفالها كي تستدر عطف المتسوقين خصوصا في رمضان والذي تكثر فيه صدقات المحسنين. من جانب آخر، بقول فهيم وهبي إن ظاهرة التسول لم تعد جديدة على المجتمع ولم تعد الأساليب التي ينتهجها المتسولون نافعة على الكثير، بيد أن المتسولين لازالوا في ازدياد. وأضاف وهيب أن المتسولين بمثابة قنابل موقوتة لاسيما صغار السن والذين أقحموهم ضعاف النفوس في هذه الظاهرة القبيحة وأغروهم بالمال مستغلين فقرهم وعوزهم خاصة الأطفال القادمين من دول الجوار، فضلا عن أن هذه الظاهرة تشوه المنظر الحضاري لمدينة جدة. معالجة الأوضاع من جانب آخر، ذكرت الشؤون الاجتماعية في تصريح سابق أن دورها في ملف المتسولين واضح، وأنها تسعى بكل ما أوتيت من قوة لمعالجة أوضاع المتسولين، وبينت إحصائية صادرة من الوزارة أن أكثر المتسولين من الأجانب وهم يشكلون نسبة 95% وأن 45% منهم سيدات وهؤلاء ليسوا من مسؤولية الوزارة التي تهتم بوضع المتسول السعودي، فالمتسول إما أن يكون قادرا على العمل وهذا يوجه لمكتب العمل، وإما أن يكون يتيما فيوجه لدور الأيتام وكبير السن يوجه لدار المسنين.