العالية ماء العينين أستاذة الأدب العربي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة المحمدية المغربية، ناقدة حصلت على الدكتوراه في الأدب المغربي وهي عضو اتحاد كتاب المغرب أستاذة باحثة في الأدب العربي والثقافة الشعبية ومهتمة بقضايا المرأة، ولها مشاركات متعددة ومتنوعة وتدخل في دائرة اختصاصها في المغرب وخارجه. كما أنها من النساء الأوائل اللواتي شاركن في الدروس الحسنية التي تلقى في رمضان أمام العاهل المغربي وعلماء المغرب والعالم الإسلامي، لها عدة إصدارات فردية وجماعية وأخرى قيد الطبع. «عكاظ» التقت الناقدة المغربية وخرجت بالحوار التالي: * الدكتورة العالية ماء العينين.. كيف تقدمين نفسك كمبدعة وكاتبة من خلال مسارك ومجالات أبحاثك؟ - فتحت عيني على عالم الكتب مبكرا لأن والدي كاتب وعنده مكتبة كبيرة ورائعة، ثم إنني أنتمي إلى أسرة مشهود لها بالعلم والأدب وجداي لأبي وأمي شاعران ولكل منهما ديوان شعر ضخم ومؤلفات عديدة، أغلبها مازال مخطوطا.. وقد وجدنا أمهاتنا وجداتنا -بدون تعليم حديث- حافظات للقرآن الكريم وسير الأنبياء والأشعار القديمة والقصص التاريخية. حتى في أيام عطلنا.. كنا نقضي أوقاتا كثيرة متحلقين حول جدي يعطينا كتابا نقرؤه بالدور ويطلب منا شرح ما قرأناه. ورغم طغيان المواضيع الدينية إلا أننا كنا نتلمس طريقنا نحو عشق العربية وآدابها. * نشرت لك قراءات كثيرة عن كتابات الكثير من الأدباء كواسيني الأعرج وعبداللطيف اللعبي وعبدالفتاح كيليط ويوسف فاضل وياسين عدنان وغيرهم.. هل تعتبرين نفسك ناقدة؟ - بالنسبة لي أعتبر النقد مهمة علمية دقيقة من حيث إن الناقد يجب أن تتوفر فيه شروط المتابعة في مجال نقده. ولذلك فبالإضافة إلى ذاته المتفاعلة مع النصوص وأدوات اشتغاله فإن الناقد يجب أن تتوفر لديه روح المسؤولية التي تحتم عليه الدراسة والبحث في المادة أو المتن باختلاف قيمته الأدبية وخلفياته الجمالية والإيديولوجية وهذا ما قصدته بالمهمة العلمية.. كما يجب أن يكون صاحب مشروع ورؤية نقدية تدرس وتقيم وتبني.. أيضا. بالنسبة لي الأمر يتعلق بنوع من التفاعل الشخصي أي أنني لا أكتب إلا بعد قراءة تستفزني وغالبا ما تكون في الاتجاه الإيجابي أو «التفاعل إيجابي» إذا صح التعبير. لدرجة أنني أحيانا لا أستطيع إتمام بعض الأعمال التي لا تجذبني ذوقا ولا فكرا ولا حتى أسلوبا.. ولكن في حالة التجاوب أدخل في حوار مع النصوص وأطرح تساؤلات وأبحث عن الأجوبة وربما أسئلة أخرى.. كل هذا في علاقة مع الكاتب فأنا وكما أقول دائما لست من هواة تيتيم النص من مبدعه. * قدمت أبحاثا عن الشعر الحساني خاصة شعر «التبراع»، فقمت بتشريح خبايا وشعاب هذا الشعر وإيقاعاته، مع تسليط الضوء على بعض مظاهر حياة الصحراء، حدثينا عن هذه الثقافة واختيارك لأدب المرأة؟ - طيلة دراستي الجامعية وفي كل الأبحاث والدراسات التي كنت أشتغل عليها لم يخطر ببالي أن أتجه إلى البحث في الأدب الشفوي أو الشعبي.. فاهتمامي كان منصبا على الأدب الفصيح وحصلت على الماجستير فيه. ولكني كنت مهتمة بقضايا المرأة وخصوصا الجانب المتعلق بالتقاليد والعادات وتوصلت إلى نتيجة تتعلق بالمرأة في فضاء الثقافة الحسانية -والذي يمتد من الجنوب المغربي إلى موريتانيا الشقيقة- وهي أن المجتمع التقليدي لم يكن دائما ذلك القيد القاسي، فالمرأة الحسانية كانت تتمتع بمكانة متميزة داخل المجتمع التقليدي القبلي، أي أن الأعراف كانت تحفظ لها مكانتها، وفي ذلك يقول أحد علمائهم وهو الشيخ محمد الإمام «فاعلم أن النساء عند أهل ذلك القطر كأنما خلفن للتبجيل والإكرام»، فلا تكليف ولا تعنيف ولا تثريب ويضربون لذلك مثلا بقولهم: «النساء عمائم الأجواد ونعال الأنذال»، بل إن أحد الجغرافيين الفرنسيين الذين زاروا منطقة الساقية الحمراء في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وهو (camille douls)، يقول شهادة عجيبة. فرغم أنه تعرض للتعذيب من طرف القبائل لشكهم في كونه جاسوسا إلا أنه يقول: «إن الرحل رغم بربريتهم وقسوتهم، ينقلبون داخل خيامهم على قلوب مفعمة بالرحمة تجاه المرأة والأولاد وهم ضد التعدد».. والمرأة عندهم تتمتع بقدر كبير من الحرية سنجد قواسم مشتركة بينها وبين المرأة الأوروبية في وضعيتها الاجتماعية كما سنتها مؤسساتنا الحديثة، وبما أنني أنتمي إلى هذه الثقافة فقد وجدتني أبحث في ما يعمق هذا الاتجاه أي البحث عن مظاهر التميز عند المرأة الحسانية وهكذا وقع اختياري على دراسة شعر «التبراع» هو شعر نسائي محض تعبر فيه المرأة عن أحاسيسها وعواطفها تجاه الرجل والمجتمع.. والحقيقة أن الدارس له سيفاجأ بثرائه. فرغم بنيته القصيرة (بيت واحد من الشعر) إلا أنه يكشف عن ثقافة أدبية، لغوية ودينية عميقة جدا وقدرة فنية عالية على التكثيف.. كما أنه ومن ناحية أخرى يعطينا صورة وجدانية ونفسية عن شخصية هذه المرأة وقدرتها على التعبير عن أحاسيسها تجاه ما يدور حولها وعواطفها التي يميزها التغزل في الرجل. وقد قمت بدراسة مقارنة بين هذا الشعر وشعر نساء البشتون في أفغانستان وتجربة مغربية أخرى وهي شعر «رباعيات فاس». * تحدثت سابقا أن تتبع صورة المرأة في شعر المرأة، يكشف أن هناك تشابها قد يصل إلى حد التطابق، كيف ذلك؟ - أتذكر أنني قلت ذلك في محاضرة حول «المرأة في شعر المرأة» ألقيتها بدعوة كريمة من هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث. أنا لست ضد الحديث عن «أدب نسائي» ولا أعتبر الوصف قدحيا ولا يهمني كثيرا أن تكون هناك بعض النوايا التحقيرية، لأنها تبقى نشازا. فالمرأة المبدعة لم تعد في حاجة إلى شهادة كفاءة من أحد إلا ما يدخل في إطار النقد والدراسة والمتابعة. وفي هذا الإطار أرى أنه هناك بعض الملامح المتطابقة في صورة المرأة في شعرها. * قلت في إحدى محاضراتك بأن العلاقة بين المشرق والمغرب العربيين متعثرة، ومازالت مبنية على الافتراض والخلفيات الجاهزة، كما أن التواصل الثقافي لا يرقى إلى المستوى المطلوب.. هل من توضيح؟ - بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر طرح سؤال كبير لم يكن غائبا ولكنه أصبح ملحا، عن نظرة الغرب لنا كعرب ومسلمين. وكانت دائما ترتفع أصوات منددة بهذا الظلم واعتبار كل منتم إلى ثقافتنا إرهابيا ومتهما. وفي نفس السياق طالب الكثيرون بضرورة شرح موقفنا وإصلاح صورتنا هناك.. ولكن بالنسبة لي السؤال الأهم الذي يلح علي دائما هو: هل نعرف أنفسنا؟ هل نعرف بعضنا البعض؟ بالتاكيد لا. وللأسف مازال الوطن العربي يعيش على ثقافة الأحكام الجاهزة ومنطق أنا الأفضل؟ عصبية مقيتة تطفو على السطح كلما حدث مشكل بسيط بين دولتين ويتلقفه الإعلام ويصبح كارثة إنسانية وتظهر وجوه بشعة لا تعرف سوى السب والقذف والذم.. نحن لا نعرف الكثير عن بعضنا البعض. حتى في عصر «القرية الصغيرة هذا» وصلنا إلى كل جهات الأرض، إلا عمقنا العربي. وحتى التواصل الثقافي يبقى أفقيا للأسف لا يتجاوز النخب والصالونات الثقافية أو حفلات توزيع الجوائز.. وهذا مؤسف.