سعيد يقطين أديب وناقد وأستاذ جامعي، من مواليد الدارالبيضاء - المغرب 1955 دكتوراه دولة في الأدب من جامعة الملك محمد. يعد من أوائل المثقفين العرب المهتمين بالنقد الثقافي، بل تجاوز ذلك وأصبح أول أكاديمي عربي يؤسس لمصطلح الأدب الرقمي. تعرف الدكتور يقطين على النتاج الثقافي السعودي من خلال ما كان يصل للمغرب من مطبوعات سعودية تتقدمها مجلة «علامات» التي يصدرها نادي جدة الأدبي. وبمرور الوقت أصبح مشاركاً رئيسياً في المؤتمرات العلمية والثقافية في المملكة، إذ مكنته زيارة المملكة في العام 2002 ضمن وفد رسمي زار عديداً من الجامعات والمرافق الحيوية في مختلف المجالات، من التعرف عن قرب على عديد من المناطق في السعودية، ووجوه التطور في مختلف المجالات، وأتيحت له فرصة حضور نشاط ثقافي لنادي الباحة في العام 2007 وكان حول الرواية. وبعدها بعام حضر نشاطاً آخر حول الرواية في الجزيرة العربية في نادي جدة العام 2008. هذه المعرفة بالنتاج الأدبي السعودي جعلته يؤمن بأحقية المملكة بأن تكون مركزاً لا طرفاً في خريطة الثقافة العربية. «الحياة» التقته فكان هذا الحوار: كيف بدأت العلاقة بينك وبين النتاج الثقافي السعودي؟ - حقيقة لقد تعرفت على النتاج الثقافي السعودي من خلال ما كان يصلنا في المغرب من مطبوعات سعودية تتقدمها مجلة «علامات» التي يصدرها نادي جدة الأدبي. وبمرور الوقت أصبحت ألتقي بالنقاد السعوديين في المؤتمرات العلمية والثقافية التي كنت أدعى إليها في البلدان العربية فتوطدت علاقاتنا بهم، فتكررت زياراتي للمملكة، إذ كنت هناك في العام 2002 ضمن وفد رسمي زار عديداً من الجامعات والمرافق الحيوية في مختلف المجالات. ومكنتني هذه الزيارة من التعرف عن كثب على عديد من المناطق في المملكة وعن وجوه التطور في مختلف المجالات . كما أتيحت لي فرصة حضور نشاط ثقافي لنادي الباحة في العام 2007 وكان حول الرواية. وبعدها بعام حضرت نشاطاً آخر حول الرواية في الجزيرة العربية في نادي جدة العام 2008. أما العام الماضي فقد حضرت مهرجان الجنادرية، وشاركت في ندوة حول الرواية السعودية.كما قدمت ورقة في ندوة حول رهانات الرواية العربية في نادي الرياض الأدبي. ومن خلال كل هذه اللقاءات أتيحت لي فرصة التعرف على واقع الأدب والثقافة في المملكة العربية السعودية، وعن مختلف الكتاب سواء كانوا مبدعين أو دارسين في مختلف المجالات النقدية الأدبية. ما نصيب النتاج الثقافي السعودي من دراساتك النقدية؟ - كان له نصيب جيد، فأول مرة كان ذلك في ملتقى سوسة بتونس وكان حول الأدب النسائي العربي، إذ قرأت ورقة عن الأدب النسائي قدمت خلالها تصوراً خاصاً كنت قد بلورته بسبب اطلاعي على ما تشكل من أدبيات في هذا الاتجاه وكان الجانب التطبيقي للدراسة معنياً برواية «طريق الحرير» لرجاء عالم التي اتخذتها نموذجاً من السرد النسائي في العالم العربي. وفي اللقاء الذي احتضنه نادي الباحة وكذلك الجنادرية قدمت قراءات في الرواية في المملكة العربية السعودية. ولكنك تُتهم بتهميش المرأة وتتجاهل منتجها الإبداعي في دراساتك النقدية؟ - لا، أنا لا أهمش المرأة. لقد كتبت عن بعض الكاتبات العربيات مثل رجاء عالم ومها محمد الفيصل وليلى الجهني. كما شاركت في ندوات حول زهور كَرام وربيعة ريحان، وسطرت مقدمات لبعض الأعمال الإبداعية لكاتبات من المغرب ودراسات من العالم العربي. موقفي في الحقيقة ليس من المرأة ولكن من التصور السائد حول المرأة، وأرى أن هذا التصور هو وليد رؤية - في رأيي - غير أدبية وغير ثقافية لأني أرى أن لها وجهاً سياسياً أكثر من وجهها الأدبي. ما ملامح هذا التصور الذي تقول به؟ - التصور هو أنه بدل أن نطرح مسألة المرأة بكيفية مباشرة ونتحدث عن ضرورة مشاركتها في الحياة وانخراطها فيها، وهي، واقعياً، تسهم فيها بأشكال إيجابية، يتم طرح مسألة المرأة من خلال الأدب فينظر إلى أن أدبها مميز، فقط لأنها امرأة. وتصوري الذي أدافع عنه، وقد يفهم خطأ، أن الأدب الحقيقي هو الأدب بغض النظر عن كاتبه هل هو رجل أم امرأة. هذا هو التصور الذي أنافح عنه، وبالتالي لا يمكنني أن أبرر بعض الأعمال التي تكتبها نساء فقط لأن الكاتبات هن نساء. إن العمل الحقيقي هو الذي تتوافر فيه مقومات العمل الفني والعمل الأدبي. أما النظر إلى الكاتب. هل هو ذكر أو أنثى فيبدو لي أن هذا سيخرجنا من مجال الأدب إلى مجال آخر. لمَنْ قرأت من النقاد السعوديين؟ - تقريباً كل النقاد السعوديين الذين لهم حضور في المملكة اطلعت على كتاباتهم. وهناك من دخلت معهم في حوار وتعرفت عليهم كذلك في كثير من الملتقيات العربية، وأنا فعلاً أقدر المجهود النقدي في المملكة العربية السعودية وأرى أنه تطور بشكل كبير جداً منذ الثمانينيات وأرى أن مستقبل الدراسات النقدية الأدبية العربية سيكون له موقع مهم جداً في منطقة الخليج عامة وفي المملكة بصورة خاصة. من تتذكر من الأسماء؟ - من بين الكتاب كلهم أصدقاء. معجب الزهراني، سعيد السريحي، عبدالله الغذامي، سعد البازعي، يعني أسماء كثيرة جداً. وهناك كذلك كاتبات مثل سعاد المانع، فاطمة الوهيبي. وثمة أيضاً باحثات واعدات مثل أمل التميمي لهن حضور مميز. الرواية العربية، كيف ترى واقعها، ومستقبلها؟ - واقع الرواية العربية الآن هو أنها بدأت تأكل من تاريخ ما تحقق في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات. وهي الآن في فلك الدوران حول ما تحقق في مرحلة سابقة. وهذا الواقع لا يعني أنه ليست هناك مواهب أو ليست هناك تجارب وفي مختلف العالم العربي. لكن الذي ينقص هذه التجربة الروائية العربية حالياً، على وجه الإجمال، هو افتقادها ما كان هاجساً لدى الروائيين في التجربة السابقة: بحثها عن التميز بالشكل الذي يدفعها إلى خلق قارئ عربي جديد. وأرى أنها الآن، وفي غالب تجلياتها، لا تعمل سوى على استعادة ما أنجز في مرحلة سابقة، أي أنها تكتفي، بالتعويل على القارئ الموجود وهو القارئ المثقف، الطالب، الباحث، الأستاذ الناقد إلى آخره. أو أنها، وعلى رغم أن هذه المسألة قليلة، تريد أن تخترق الجمهور الواسع، ولكن باتباع طريق الخوض في موضوعات خاصة أو في موضوعات مثيرة، لخلق أو لكسب جمهور جديد. ويبدو لي أن حبل الكذب قصير كما يقال؟ لذلك فالعدد الكبير من هذا النوع من النصوص التي خلقت هذا النوع من الجمهور سرعان ما يبتعد عنها. مما يؤخذ على النقاد العرب، وأنت أحدهم، أنكم لم تأتوا بنظرية نقد عربية حتى الآن، ما السبب وراء ذلك؟ - أنا كتبت مراراً في هذا الموضوع وعندي كتاب بصدد الإعداد قريباً حول النقد العربي الحديث من أواخر القرن التاسع عشر إلى الآن. ومن بين القضايا التي أطرحها فيه هذه المسألة، ومفاد هذه الفكرة هو أن هذه النظرية النقدية العربية كيف يمكن أن تكون؟ على أي أساس ستكون؟ أو سيتم إبداعها؟ فنحن نعرف أن النظريات الأدبية لا تولد من فراغ، لا يمكن أن نأتي بنظرية ثم نقول إن الإبداع ينبغي أن يسير في ضوئها ونحن نعرف أن غالب النظريات الأدبية التي ظهرت على الأقل في العصر الحديث ارتبطت بحركة أدبية. وهذه الحركة الأدبية الجديدة هي التي أدت إلى تبلور نظرية نقدية موازنة لهذه الحركة الأدبية. هذا على المستوى العام. أما على المستوى الخاص، فإن ما يقال عن النقد العربي وأنه ليست فيه نظرية يتم ربطها بالإبداع العربي، أو أنه لم يفلح في أن يقدم رؤية جديدة للنقد العربي. فأنا أختلف بصورة كبيرة جداً مع هذا التصور وأرى أن الذين تفاعلوا على الأقل مع النظريات الغربية نجحوا في تطوير رؤيتنا للأدب وتطوير اللغة العربية من خلال ارتباط هذه النظريات الجديدة وانفتاحها عليها، وتفاعلها معها وأعتبر أن هذا مكسب مهم جداً، لأن التفاعل مع العصر الذي نعيش فيه هو عنصر أساسي وحيوي وبالأخص على المستوى الأدبي. للأسف الشديد نلاحظ أن المرحلة البنيوية وهي المرحلة التي كان من الممكن للنقد العربي فيها أن يتطور وأن يخلق لغة جديدة وأن يؤسس للعلوم الأدبية، كان تعامله فيها مع البنيوية بشكل قصير جداً والآن صرنا نطالب بالانتقال إلى ما بعد البنيوية. ما السبب وراء هذا التعامل القصير مع البنيوية؟ - لم نتعامل التعامل اللائق لأن النقد العربي ظلت توجهه مثل هذه الملاحظات المتعلقة بالنظرية العربية، وهي عوائق معرفية. كيف يمكننا تقديم نظرية في الوقت الذي لا تتوافر فيه الشروط لتقديم هذه النظرية؟ هذا من جهة. ومن جهة ثانية كان تعاملنا مع النظريات الغربية يتم بشكل تجزيئي. بمعنى أننا نأخذ منها ما يهمنا ولا نتعامل مع الأسس الحقيقية للنظرية. ولهذا السبب كل ناقد جديد عندما يأتي ويريد أن يعود إلى التراث القريب يجد أنه لا يقدم له شيئاً على عكس ما نجد في أوروبا أو في أميركا أو في الدول التي تأسست فيها فعلاً هذه العلوم منذ القرن التاسع عشر. إنهم لكي يطوروا النظرية يكونون مدركين أن ما اشتغلوا به وصل إلى مداه الطبيعي، لأن أي نظرية كيف ما كان نوعها لها أفق محدود تصل إليه، لأنها تأتي للجواب عن سؤال محدد. وعندما تجيب عن هذا السؤال فهي تتوقف. فكيف يحصل التطور؟ يكون ذلك بترهين أسئلة معلقة أو مؤجلة، وتعود إلى الماضي لتطوره في ضوء ما تحقق، فيتجه مسار التطور إلى الأمام. أنا الآن إذا عدت إلى طه حسين ماذا يمكنني أن أطور فيه، إذا عدت إلى محمود أمين العالم ماذا يمكنني أن أطور فيه. إذا عدت إلى عبدالله الغذامي ماذا يمكن أن أطور فيه وهو نفسه يقول لقد انتهت مرحلة النقد الأدبي والآن علينا أن ندخل إلى مرحلة النقد الثقافي، هو نفسه يعلن القطيعة مع جزء من تجربته الخاصة. من وجهة نظرك، لماذا قال الغذامي ذلك؟ - هو يقول إن النقد الأدبي لا يمكن أن يقدم لنا شيئاً لأننا في حاجة إلى البحث في الأبعاد الثقافية للعمل الأدبي، إنها رؤية أخرى مختلفة عن المرحلة التي كانت في 1985 في مرحلة البنيوية يقول إن النص لغة وعلينا أن ندرسه كلغة ونبحث عن جماليته إلى آخره... ولكن بعد مدة، أي بعد أن ظهرت في أوروبا وأميركا اتجاهات ما بعد البنيوية انتقل هو أيضاً للبحث في هذا الجانب الثقافي الذي يبحث عن خصوصيات أو عن أنساق ثقافية كما تتحقق في العمل الأدبي. إذاً هل تتفق مع الغدامي؟ -لا، أنا لا أتفق معه ولقد عبرت عن وجهة نظري هذه في كتاب تكريمي له كان قد نشر في الرياض. وكانت عندي مداخلة أناقش فيها هذا التصور. ماذا كان رأيك؟ - باختصار أقول: إنه لا يمكن أن نتحدث عن نقد ثقافي من دون نقد أدبي ولا يمكن أن نتحدث عن نقد ثقافي من دون تاريخ للثقافة لأنه في غياب تاريخ للثقافة العربية، ثقافة بمعناها الحقيقي فنحن سنظل فقط، نقدم أفكاراً أو تأملات ولكن لا ينبني تحليلنا على أرضية سليمة. كنت محاضراً في إحدى الجامعات الفرنسية وفجأة غادرت فرنسا، ما الدوافع وراء اتخاذك هذا القرار؟ - كنت أشتغل أستاذاً زائراً في جامعة ليون لتدريس الأدب واللغة العربية وفي قسم اللغة العربية بكلية اللغات بجامعة ليون 3. وكانت تجربة مميزة لأنها جعلتني أطلع على أحوال الدراسة العربية في الجامعة الفرنسية، وفعلاً وجدت باحثين مميزين، لكن ليس في الدراسة الأدبية ولكن في الدراسات الإسلامية أو ما يسمونه بالإسلاميات. وفعلاً وجدت باحثين يعني متخصصين لهم إلمام وبحث عميق في التراث العربي الإسلامي وعندما ذهبت كانت الغاية تدريس اللغة العربية للطلبة الفرنسيين سواء كانوا من أصل عربي أو من أصل غير عربي ولتأطير طلبة الدكتوراه. ولم تتح لي فرصة اختيار البقاء هناك لأني وجدت أن الدراسات الأدبية خصوصاً في ليون الثالثة ليست كما كنت أتصورها، ووجدت أن الهيمنة للدراسات الإسلامية والبحث في الإسلاميات في الجامعة الأوروبية بصفة عامة يخضع للتوجيه السياسي الرسمي للدولة. وكنت كذلك أتعجب من بعض المثقفين العرب الذين كانوا يظهرون بصورة متواصلة في قنوات الإعلام المرئي بالخصوص ويروجون لصور لا علاقة لها بالإسلام ولا بالمسلمين. ورأيت أن عدم بقائي في هذا البلد على رغم إلحاح بعض الزملاء هو أني لا أريد أن أنخرط في مناخ «علمي»؟ أختلف معه. ولهذا السبب فكرت في الرجوع إلى بلدي لأن الوطن العربي في حاجة لأطر تفكر في الأسئلة التي يطرحها المجتمع العربي والواقع العربي والثقافة العربية. ذكرت في فترة سابقة أنه لم يعد يعجبك أدونيس، لماذا؟ -لا يتعلق الأمر بالإعجاب أو عدمه. فأنا أقدر عمله ومجهوده الذي قام به في مجال الشعر والثقافة العربية. وأقدر فيه أكثر الشاعر الذي قدم زخماً للقصيدة العربية. ولكن حتى هذا الشاعر الآن أرى أنه لم يبق في التوهج نفسه الذي كان سابقاً. بالنسبة إلى مؤلفاته الفكرية التي اطلعنا عليها في مرحلة سابقة من حياتنا الطلابية وكان لها الوقع الكبير على أنفسنا ولكن الآن عندما نعود إليها تجد أنها لا تقدم لنا شيئاً جديداً فيما يخص تراثنا الشعري والثقافي. ألا تعتقد أن سعيد يقطين بالغ في حكمه على أديب عربي تتعلق به آمال الثقافة العربية ليأتي لها بجائزة نوبل يوماً ما، وما فتئت المنابر الثقافية العربية ترشحه كل عام وتنادي بدعمه؟ -أنا لا أعتبر الجائزة حتى وإن كانت عالمية دليلاً على أصالة المبدع أو المفكر أو العالم. فكثير من الروائيين حصلوا على جائزة نوبل للآداب وترجمت رواياتهم إلى كل اللغات، ولكن لا تجد لهم أي حضور كالحضور الذي كان للروايات الكلاسيكية التي لا يزال لها حضور دائم ومستمر، ولكن مع ذلك حصلوا على هذه الجائزة. لذلك فعدم حصول أدونيس على هذه الجائزة وعدم ترشح عديد من الروائيين العرب لهذه الجائزة لا يقلل من قيمتهم ولا من أصالتهم الإبداعية أو الفكرية أو عطاءاتهم المميزة للثقافة العربية، لذلك أنا لا أعتبر الترشح أو عدم الترشح، الفوز أو عدم الفوز دليلاً على أهمية هذا الكاتب أو أصالته. ولكن آخرين يقولون لو لم يحصل أدونيس على جائزة نوبل فسيكون لكمال أبو ديب نصيبٌ منها؟ -أنا لا أشاطر هذا الرأي بصراحة ربما لأني أقرأ أعمال كمال أبو ديب في سياق المنتوج النقدي العربي، ولا أرى أن كتاباته ترقى إلى العطاء الذي قدمه أدونيس على المستوى الإبداعي أو حتى الفكري. فكمال أبو ديب كان طليعياً في السبعينيات وفي بداية الثمانينيات، ولكن لم تظهر لنا بعد كتابة عن الإيقاع وعن جدلية الخفاء والتجلي دراسة بالعمق نفسه والأثر نفسه، بمعنى أنه حتى على الصعيد الكمي عندما تقارنه بأدونيس لا يمكن أن تقارن بينهما على هذا المستوى، ولا أن أرشحه وليس هذا تقليلاً من قيمة كمال أبو ديب. ولكن هناك بالخصوص مثلاً إذا كان الناقد الذي ستعطى له هذه الجائزة ينبغي أن يكون قد قدم إسهاماً مميزاً على مستوى تطوير النقد. وأرى أن عديداً من النقاد الأجانب في العالم أجدر من كمال أبو ديب من هذه الجائزة. العمق الذي يلحظه القارئ على امتداد الوطن العربي وهو يقرأ لأسماء مغربية مثل: سعيد يقطين، محمد عابد الجابري، عبدالله العروي، هل لهذا العمق علاقة بموقع المغرب الجغرافي وقربها من أوروبا؟ -المغرب أولاً استفاد من التراث العربي ففي الستينيات وحتى السبعينيات كان كل الناشرين يعتبرون المغرب البلد الذي يقرأ كثيراً كل ما ينتج في المشرق العربي، وفعلاً كان كل الناشرين يتهافتون على السوق المغربية، إلى جانب التراث العربي في المشرق كان هناك التراث الأجنبي، خصوصاً الفرنسي. إذاً فالثقافة المغربية الحديثة أي منذ الاستقلال إلى الآن قامت على هاتين الركيزتين. إنها عربية ولكنها في الوقت نفسه منفتحة على الثقافة الغربية. والعامل الثاني الذي أعتبره مميزاً للتجربة المغربية، ويكمن في حضور الهاجس المعرفي ذي الطبيعة الأبستملوجية. لقد كان حاضراً لدى كل المشتغلين بالثقافة العربية، سواء في التاريخ أو في الفلسفة أو في اللسانيات أو في الأدب. وهذا الهاجس المعرفي جعل المغاربة عندما يتعاملون مع التراث العربي أو يتعاملون مع الثقافة الغربية كان يحذوهم في ذلك دائماً أمل تحقيق نوع من الملاءمة العلمية في الاشتغال.