لأن الراحل الدكتور محمد عبده يماني كان لا يعيش لنفسه، بل يقضي جل وقته لمصلحة المجتمع والسعي في قضاء حوائج المحتاجين، فإنه لم يكن أحد يعرف حجم العمل الخيري الذي كان يقوم به ذلك الرجل الإنسان إلا بعد وفاته؛ لكثرة أعماله الخيرية والإنسانية وتعددها، حتى أن كثيرا من المقربين لا يعرفون شيئا، فعرف الناس مقدار ذلك العمل الخيري والإنساني من أفواه المستفيدين منها بعد وفاته. ولكي يستمر عطاء محمد عبده يماني بعد وفاته أنشأ صهره وصديقه الشيخ صالح كامل وابن الراحل ياسر «مؤسسة محمد عبده يماني للأعمال الخيرية» لتبدأ مهامها من رعاية الأيتام وإصلاح ذات البين وفق عمل مؤسسي منظم، ثم الانطلاق لاحقا نحو الأعمال الخيرية الأخرى، ومن رحم تلك المؤسسة الخيرية أعلن صالح كامل عن إنشاء كرسي علمي في جامعة أم القرى «كرسي محمد عبده يماني لإصلاح ذات البين». وتخصص تلك المؤسسة الخيرية في رعاية الأيتام وإصلاح ذات البين لا يلغي إسهامات الراحل في بقية المجالات الخيرية، مثل: الإطعام الخيري، المساعدات المالية، دعم حلق تحفيظ القرآن، علاج المرضى الفقراء، تأهيل الشباب بالتعاون مع عدة جهات خيرية، بل إنها تعد فاتحة لأعمال خيرية قادمة، وكان له اهتماماته بالأقليات المسلمة في أنحاء العالم، وتنقل في بلاد الأقليات في البلدان الأوربية والأفريقية والآسيوية. وكما أن له اهتمامات بالعمل الخيري والإنساني، فإن له اهتمامات أخرى بقضايا المرأة، وكان يشدد على هذا الجانب «الكثير من الناس أصبح يتحدث عن المرأة، وكأنها إنسان غريب نخشى على مجتمعنا وتنميتنا منه، مع أن الإسلام أعطاها ما لم يعطها أي قانون آخر، ولكننا نحن الذين لا نحسن التطبيق، أعطوهن ما أعطاهن الله، وما أمر به رسوله الذي لا ينطق عن الهوى، والذي جعلهن شقائق، بمعنى أن لهن حقوقا مثلما أن عليهن واجبات، ونحن اليوم نقود نهضة لا ينبغي أن نعطل فيها نصف الأمة، ولكن نتعامل معها بصورة تجعلها تعمل وتكسب رزقها في إطار الشرع الحنيف الذي أمرنا بالالتزام به، وبذلك نحقق النهضة التي نرجوها» («عكاظ»، 23 ربيع الآخر 1431ه). بعد تحوله من العمل الحكومي الذي كان آخره وزيرا للإعلام، اتجه الراحل إلى العمل الخيري داخل المملكة وخارجها من خلال الذراع الخيري لمجموعة دلة «مؤسسة اقرأ الخيرية»، فوجد في العمل الخيري متعته، وتحديدا اهتمامه بتعليم أبناء المسلمين القرآن، «شاء الله تعالى بعد تركي للعمل الحكومي أن أتاح لي فرصة العمل الخيري، فوجدت فيه متعة كبيرة، ولا شك أن اتصالي بالمحتاجين وصلتي بهم شغلتني كثيرا بأعمال فيها الخير والبركة وخدمة هؤلاء الأخوة، وهذه الأعمال الخيرية كانت من الأشياء التي أمتعتني وسرتني وشغلت الكثير من وقتي». وبسبب ميوله الأدبية، لم يكن الراحل محمد عبده يماني راغبا في التخصص العلمي البحت، ولكنه اعتبرها أضافت الكثير له في تشكيله الثقافي، وصنعت له مكونات أدبية وعلمية، «شاء أن أنشأ نشأة أدبية، ودرست في الحرم المكي الشريف على أيدي عدد من العلماء، وتعلمت الأدب على أيدي أساتذتي في مدارس الفلاح، ولكن عندما أردت التخصص أقفل المجال الأدبي، وطلبوا مني أن أذهب إلى مدارس أخرى، فكرهت ذلك وآلمني أن أترك مدرستي، فصممت أن أحول التخصص إلى العلوم، وهكذا تخرجت في القسم العلمي، وتسلسلت في حياتي بعد ذلكن فدخلت كلية العلوم، فكنت من الدفعة الأولى التي درست في جامعة الملك سعود في مجال الجيولوجيا، ثمن تخصصت في أمريكا في مجال الجيولوجيا الاقتصادية، وقمت بإجراء دراسات عن الثروات المعدنية في المملكة، وأحسب أن هذه الحياة العلمية أضافت الشيء الكثير إلى تشكيلي الثقافي، وجاءت رافدا مهما من الروافد التي أسهمت في صناعة المكون الأدبي والعلمي والثقافي بالجملة. ذلك هو الرجل المكي الحجازي الذي ولد في أطهر بقاع الأرض مكةالمكرمة عام 1359ه (1940م)، وتلقى تعليمه الأولي في أروقة المسجد الحرام، جمع بين العلوم الطبيعية (الجيولوجيا) والعلم الشرعي والثقافة والأدب، بعد تخرجه من الثانوية العامة في مدرسة العلم والثقافة والفكر المشهورة «الفلاح» عام 1383ه، أكمل تعليمه في تخصص «الجيولوجيا»، فحصل به على البكالوريوس (1387ه) من جامعة الملك سعود (الرياض سابقا) ليعين محاضرا فيها، ويسافر بعدها إلى «كورنيل» في الولاياتالمتحدةالأمريكية ليحصل على الماجستير والدكتوراه في الجيولوجيا الاقتصادية (1390ه). عاد إلى الجامعة أستاذا مساعدا ثم أستاذا، ليعين بعدها وكيلا لوزارة المعارف (1392ه)، وفي نفس العام عين وكيلا لجامعة الملك عبدالعزيز، ثم مديرا للجامعة بعدها بعام واحد فقط، ليعين وزيرا للإعلام (1395 1403ه). بعد تركه العمل الحكومي مباشرة، عمل نائبا لرئيس مجموعة دلة البركة، ورئيسا لمجالس إدارات عدة مؤسسات تجارية واجتماعية محلية وخارجية، في المجالات الخيرية، والثقافية، والأدبية، والإعلامية والنشر، والبنكية، والصحية، والعلمية، والتعليمية، والتنموية، والاستثمارية. يملك أسلوبا إبداعيا في كتاباته ومؤلفاته وأبحاثه العلمية والدينية والثقافية والأدبية، وكتب باللغة العربية والإنجليزية في علوم الجيولوجيا، والإعلام، والأدب، والقصص، والتاريخ الإسلامي، ولكنه اشتهر بتخصصه في الكتابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وآل بيته، وله اهتمامه بتصنيف الحديث النبوي عن طريق الحاسب الآلي، كما أنه يملك أسلوبا قصصيا إبداعيا، واشتهر بعموده الصحافي «للعقلاء فقط» الذي كتب فيه الكثير من المقالات العلمية والثقافية والإعلامية والأدبية. ألف ما يقرب من 40 كتابا، أبرزها: مستقبل الثروة المعدنية في المملكة (1391ه)، معركة بدر الكبرى، حدث في الإعلام (1397ه)، اليد السفلى.. مشروع بلا خطيئة (مجموعة قصصية 1399ه)، الأطباق الطائرة.. حقيقة أم خيال (1410ه)، الجيولوجيا الاقتصادية والثروة المعدنية في المملكة (1400ه)، المعادلة الحرجة في حياة الأمة الإسلامية (1400ه)، نظرة علمية حول غزو الفضاء (1400ه)، فتاة من حائل (رواية 1400ه)، جراح البحر (مجموعة قصصية 1402ه)، حوار مع البهائيين (1402ه)، ألوان ثقافية (1404ه)، أقمار الفضاء.. غزو جديد (1404ه)، للعقلاء فقط (مجموعة مقالات 1406ه)، البابية (1406ه)، علموا أولادكم محبة الرسول (1407ه)، وداعا هالي (دراسة عن المذنبات والشهب 1408ه)، المسلون والتطوير في علوم الفضاء (1408ه)، هكذا صام رسول الله (1411ه/1988م)، قادم من بكين والإسلام بخير (1413ه)، روسيا والمسلون في آسيا الوسطى ومحنة الانفتاح الجديد (1413ه)، هكذا حج رسول الله (1414ه)، أحاديث في الإعلام.. معضلات الحاضر وإرهاصات المستقبل (1416ه)، السعودة وجها لوجه (1418ه)، إنها فاطمة الزهراء (1419ه)، المسلون السود في أمريكا (1428ه)، إضافة إلى مؤلفات: ذهبوا شرقا (باللغة الإنجليزية)، أفريقيا لماذا؟، وكشفت أزمات الخليج عورتنا، اقتصاديات المعادن في المملكة، اقتصاديات جديد وادي فاطمة، أصل حديد وادي فاطمة، الخليفة الخامس الحسن بن علي، امرأة في الظلام (مجموعة قصصية)، لا تطرقي الباب مرة أخرى (مجموعة قصصية)، كارثة المسلمين في بورما.. منظمة تضامن الروهنجيا. ومع اهتمامه بالترجمة كثيرا، إلا أنه يعتب كثيرا على المثقفين العرب في عدم التواصل فيما بينهم، «قبل أن نفكر في ترجمة أعمالنا ليقرأها الغربيون علينا أن نطالب بضرورة تواصل الأدب العربي بين أبناء الأمة العربية، وهناك نقص شديد في تداول الكتاب العربي ككل، والكتاب الأدبي على وجه الخصوص بين الدول العربية، وكثير من المبدعين في العالم العربي وبصورة خاصة في المغرب العربي لا نعرف عنهم إلا أقل القليل، وهذا حقيقة عيب كبير فينا كمثقفين عرب» (الشرق الأوسط، 11 يوليو 1985م). هذه المراحل المضيئة في مسيرة الراحل الدكتور محمد عبده يماني أهلته لنيل الكثير من الأوسمة، أبرزها: وشاح الملك عبدالعزيز، الميدالية التقديرية من حكومتي قطر ودبي، وسام برتبة قائد «كوماندوز» من موريتانيا، وسام «مهابوترا أوبيروانا» مع براءته من جمهورية إندونيسيا، براءة وسام الكوكب الأردني من الملك حسين بن طلال، براءة وسام الاستحقاق الوطني بدرجة ضابط أكبر من رئيس جمهورية فرنسا، ووسام إيزابيل لاكاتولييكا الكبير مع براءته من ملك إسبانيا. شارك الراحل محمد عبده يماني في عضوية العديد من المنظمات واللجان، أبرزها: المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، لجنة جائزة بنك التنمية الإسلامي، مجلس الأدباء في تونس، مجلس الأمناء في معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في جامعة فرانكفورت في ألمانيا، مجلس إدارة هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، مجلس إدارة الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في منطقة مكةالمكرمة، رابطة الأدب الإسلامي في الهند، لجنة مساعدة الأطفال المعوقين في جدة، مجلس إدارة الجمعية السعودية الخيرية للأطفال المعوقين، مجلس إدارة الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام في مكة. كما ترأس العديد من مجالس الإدارة، أبرزها: مؤسسة مكة للطباعة والنشر، مؤسسة اقرأ الخيرية، شركة اقرأ للتنمية والنشر، شركة دار القبلة للثقافة الإسلامية والنشر، الشركة العربية للاستثمار الزراعي، إدارة الشركة الألبانية العالمية للاستثمار والتنمية، نادي الفروسية في جدة، لجنة الإعلام في رابطة العالم الإسلامي، جمعية القلب السعودية، جمعية الإيمان التعليمية، لجنة تسيير الكلية الأمريكية الإسلامية في شيكاغو، مركز جدة للعلوم والتكنولوجيا.