نعيش في هذه الأيام الذكرى الثانية لرحيل الأديب والمفكر والإعلامي الكبير معالي الدكتور محمد عبده يماني، وتعرض هذه المقالة لبعض الجوانب المضيئة من شخصيته رحمه الله. ولد معالي الدكتور محمد عبده يماني بمكة المكرمة عام 1359ه، وتلقى تعليمه بها حتى نهاية المرحلة الثانوية، وحصل على درجة البكالوريوس من جامعة الملك سعود عام 1383ه، ونال درجة الماجستير والدكتوراه من جامعة كورنيل بنيويورك، كما حصل على دبلوم في إدارة الجامعات ودراسة لعلوم الصور الجوية وتحديد الثروات المعدنية والتخطيط الإقليمي لاستغلال الثروات المعدنية في إطار علم الجيولوجيا الاقتصادية. تولى العديد من المناصب العلمية والإدارية، منها وكيل كلية العلوم بجامعة الملك سعود، ووكيل وزارة المعارف للشؤون الفنية، ووكيل ثم مدير جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، ثم عين وزيرا للإعلام في المملكة العربية السعودية عام 1403ه. ومعلوم أن معاليه كان مديرا لجامعة الملك عبدالعزيز في فترة مهمة للغاية من حياة الجامعة، وكان وقتها مديرا لجامعتين كبيرتين في الواقع، اذ كانت جامعة أم القرى آنذاك فرعا لجامعة الملك عبدالعزيز، وكان معاليه بارعا في ادارتهما معا، وتعتبر فترته الفترة الانتقالية من مرحلة الجامعة الصغيرة المحدودة الى الجامعة العالمية الكبيرة والتوسع في التخصصات والمنشآت في آن معاً، وتحت يدي عدد قديم من مجلة نادرة هي مجلة "ندوة الطالب" التي كنا نصدرها من فرع جامعة الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة حين كنا طلابا في مرحلة البكالوريوس، وكنت واحدا من اعضاء هيئة التحرير فيها، وقد صدر هذا العدد عام 1396ه- 1976م، وكان عددا خاصا صدر بمناسبة مرور العام الأول على استشهاد الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، وعج العدد بمقالات وتحقيقات وقصائد لطلاب وطالبات الجامعة، كما تضمن بعض المقالات لأساتذة الجامعة ومسؤوليها. وتتصدر تلك المقالات مقالة لمعالي الدكتور محمد عبده يماني عنوانه (الملك فيصل وجامعة الملك عبدالعزيز) تحدث فيه معاليه بإسهاب عن أيادي الفيصل البيضاء على هذه الجامعة، وذكر أن تأريخ هذه الجامعة في نشأتها وتطورها مرتبط باسم الفيصل، حيث احتضنها فكرة، ورعاها مشروعا، وعضدها واقعاً، ثم باركها كيانا علميا بارزاً -كما ورد في مقالة معاليه بالحرف الواحد-. وتكلم معاليه عن افتتاح الفيصل لأعمال اللجنة التأسيسية للجامعة وعن الإعانة السنوية للجامعة حين كانت أهلية التي أمر بها الملك الشهيد، والتي بلغت عام 88ه مليونا ونصف المليون، وعن تأريخ تحويلها لجامعة حكومية في عهده رحمه الله، وسوى ذلك من مظاهر الدعم الكبير الذي لقيته الجامعة في عهد الفيصل. وعليه فإن فترة إدارة معاليه لهذه الجامعة الفتية، كانت فترة تأسيس وبناء في ظل إمكانيات محدودة ومسؤوليات جسام تحملها معاليه بكل كفاءة واقتدار، ووضع الجامعة في مسارها الصحيح، وسهل على من جاء بعده من الرجال المخلصين المضي بها نحو المزيد من الارتقاء والتطور. وجانب مضيء آخر من شخصية اليماني هو جانب التأليف وإثراء المكتبة العربية والإسلامية بعشرات الكتب والمؤلفات التي تحمل جميعا روح المنافحة عن قضايا المسلمين الكبرى، وتبين احوال المسلمين في انحاء المعمورة عن كثب، حيث كان معاليه يصدر كتابا عن كل منطقة زارها من العالم الاسلامي في أفريقيا والجمهوريات السوفيتية وسواها، وقد قرأت هذه الكتب جميعا وكتبت عنها تباعا في الصحافة المحلية اضافة الى مؤلفاته الأدبية العديدة، ومنها قصته: فتاة من حائل، ومجموعته القصصية: اليد السفلى، وأذكر أنهما ظهرتا حول عام 1400ه. كما اختص معاليه في وضع الكتب العلمية التي تحث على محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام، ومن ذلك كتابه الشهير (علموا أولادكم محبة رسول الله) الذي صدر عام 1407ه وكتابه الآخر (بأبي أنت وأمي يا رسول الله) الذي صدر عام 1410ه وسوى ذلك كثير. ناهيك عن مؤلفاته العلمية التخصصية فهو أستاذ قدير في الجيولوجيا، ومن مؤلفاته التخصصية كتاب (الجيولوجيا الاقتصادية والثروة المعدنية في المملكة العربية السعودية)) وكتابه (علموا أولادكم محبة رسول الله). دار القبلة بجدة 1407ه، 262 صفحة، من أهم كتبه- والكتاب عبارة عن عدة موضوعات حول السيرة النبوية وقد سبق للمؤلف أن نشرها في جريدة الشرق الأوسط. ويقول المؤلف عن الكتاب : وبعد.. فهذه كلمات على هامش سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.. سبق وأن نشرتُها متفرقة ثم جمعتُها بين دفتي هذا الكتاب.. ليكون مساهمة متواضعة بين يدي هذه السيرة العطرة الكريمة.. ولعل الله أن ينفع بها فقد كان هاجسي الأساس هو تحفيز الآباء والأمهات والأهل جميعاً على ربط ناشئة المسلمين بسيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لتكون نبراساً يضيء أمامهم الطريق ومنهاجاً يسيرون عليه في دروب الحياة يتمثلونه في جميع أعمالهم.. واقوالهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.. لأنه صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة لهذه الامة.. كان كذلك لأصحابه رضوان الله عليهم.. وسيظل قدوة هذه الامة إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها.. استجابة لأمر الله عز وجل: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، واستجابة لأمر هذا الرسول الكريم والنبي العظيم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ". اما الجانب الثالث المضيء في حياة محمد عبده يماني فهو الجانب الخيري، وكان يرأس ويدير جمعية اقرأ الخيرية، وهي جمعية خيرية عالمية لها مشروعات ضخمة وانجازات بارزة في جميع انحاء العالم عموماً والمملكة خصوصاً، واضافة إلى ما تقدمه من مساعدات واعانات لذوي الحاجة، فإنها تضطلع بدور بارز في الدعوة إلى الله وتعليم شباب المسلمين ونشر المعرفة بينهم. وقد صدر عنها العديد من المؤلفات التعليمية منها سلسلة مهمة في تعليم العربية للناطقين بغيرها، كما يتبع لها المركز الثقافي الاسلامي بجدة الذي يعنى بدعوة الجاليات وتعليم المسلمين الجدد اصول دينهم ومبادئ العربية. ونحمد الله تعالى ان سخر نجل معالي الدكتور محمد عبده يماني الاستاذ ياسر محمد عبده يماني ليكمل مسيرة أبيه الخيرية ويجلس في مكتبه نفسه لقضاء حاجات الناس ومساعدتهم، والسعي لدى اهل الخير في ذلك. وان كنا عرضنا في هذه المقالة بعضاً من الجوانب المضيئة في شخصية فقيد الامة معالي الدكتور محمد عبده يماني، فإن الجوانب المضيئة الاخرى في شخصيته كثيرة لا تحصى رحمه الله رحمة واسعة.