تلك المدينة التي لا تعرف إلا الحياة، امتازت بالهدوء والصخب، والراحة، تختال نهارا بحركتها المستمرة، وتتزين ليلا بأضوائها الساحرة، فهي واجهة المملكة وبوابتها الغربية، تفتح ذراعيها لتستقبل سر الحياة.. بتلك العبارات وصف الدكتور عبدالإله عبدالعزيز باناجة، في تقديمه، لكتاب الباحث عدنان عبدالبديع اليافي «جدة في صدر الإسلام» الذي جاء في نحو 256 صفحة من الحجم الكبير، تميز بسلاسة العرض، وجودة الإخراج، ارتسم على الغلاف صورة يرجح أنها التقطت منذ أكثر من مائة عام، اتضحت فيها معالم جدة القديمة ورواشين مبانيها المطلة على ضفاف البحر الأحمر لتظهر السفن الشراعية في مشهد بانورامي يفوح منه نسيم جداوي خاص يبعث في المشاهد سكونا غريبا يستعين به على ترجمة أصالة تاريخ هذه المدينة العريقة. ركز المؤلف دراسته في توثيق حقبة صدر الإسلام التي وجدها لم تحظ بدراسات مستفيضة، واهتم بأن يتسم الكتاب ببعض الشمولية في الموضوعات التي تخص جدة الأمس واليوم وغدا، فاحتضنت بعض الصفحات مواضيع مختلفة منها موقع المدينة العريقة، ومصادر تاريخها، ولمحات من تاريخ سورها الشهير، ومساجدها التاريخية، سواء التي شيدت في صدر الإسلام أو في بعض الأزمنة التي تلت ذلك، وكذا مينائها الجميل وجباناتها الشهيرة، بالإضافة إلى العلاقة الأبدية بمكة المكرمة، وبالحج. جاء الكتاب في فصلين، حوى الفصل الأول «مدينة جدة وآثارها قديما وحديثا» عددا من المواضيع المتنوعة منها موقع مدينة جدة، وضبط الاسم وأصل التسمية وصحتها، وقصة معركة بطلها حرف الجيم، مصادر تاريخ مدينة جدة، وجدة في كتب الرحالة، وأهم المصادر التاريخية التي عنيت بمدينة جدة، ومساجد جدة التاريخية، وتاريخ ميناء جدة، وغيرها من المواضيع الأخرى. وضم الفصل الثاني «جدة في صدر الإسلام» مجموعة من العناوين المهمة، أبرزها ترجمات لبعض كبار الصحابة، وبخاصة من كانت لهم علاقة بجدة، ومواضيع أخرى منها جدة بين عصر الرسالة وزمن الخلافة، جدة قديمة الاسم والمسمى، وجدة في الحقبة التي سبقت مباشرة ظهور الإسلام، وغيرها. أضاف ملحق الصور في آخر الكتاب جمالية متميزة، تنوعت مضامين اللقطات فعكست لدى القارئ مدى بساطة حياة المجتمع في جدة، كما تفرد الكتاب بالفهارس التي قدمت معلومات دقيقة لسهولة الرجوع للإعلام والأماكن والموضوعات التي ورد ذكرها بين دفتي الكتاب. وذكر اليافي في مقدمة كتابه: «لقد حرصت على أن أستقي معلوماتي من أمهات الكتب، ومن المصادر والمراجع التاريخية المعتمدة، وكذلك من كتب البلدانيين من مؤرخين ورحالة وجغرافيين، وغيرهم، سواء أكانوا عربا أم غربيين، وقد قارب عدد المراجع والمصادر والكتب التي اعتمدت عليها في هذه الرسالة السبعين أو أكثر).