•• تخطئ المعارضة السورية إذا هي رفضت الذهاب إلى مؤتمر جنيف2 الذي يجري التحضير له الآن بقوة.. وإذا هي أصرت على شروطها المسبقة وفي مقدمتها خروج الأسد من السلطة ومعاملة السلطتين الأمنية والعسكرية معاملة الأسد في أية تسوية قادمة، ولم تقبل بالحوار مع ممثلي النظام المشاركين في المؤتمر. فقدان أوراق هامة •• هذا الخطأ السياسي الجسيم لو وقعت فيه المعارضة السورية.. فإنها تفقد بذلك عدة أوراق هامة: •• أول هذه الأوراق هي: حماس دول المنطقة الرئيسية المناصرة لهم وفي مقدمتها المملكة وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة والأردن وسواها. •• وثاني هذه الأوراق: هي استجابة دول هامة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا للوقوف إلى جانب المعارضة ودعمها في مواجهة النظام. •• وثالث هذه الأوراق: تفهم دول العالم الأخرى وقناعتها باستحالة استمرار هذا النظام في أي تسوية قادمة. •• وبالمقابل فإن المعارضة برفضها - في حالة حصول هذا الرفض - تدعم موقف النظام المتعنت.. وتساهم في بقائه في السلطة بذريعة أنه قبل الحل السلمي وأبدى استعداده للاشتراك في المؤتمر.. بينما رفضت المعارضة هذه المشاركة لأنها - حسب وجهة نظره - مجرد عصابات إرهابية تبحث عن الحكم وتحاول إسقاط النظام. كما أن المعارضة بهذا الرفض.. تكون قد بررت الدعم الإيراني والروسي لهذا النظام.. وقوت موقفهما المشكك في رغبة المعارضة في السلام وفي قبولها للحل السلمي.. وأعطتهما مبررا لاستمرار دعم الأسد وتزويده بالمزيد من آلات القتل وأدواته وبالتالي استمرار الوضع وتدهوره إلى ما هو أسوأ مما هو حاصل الآن. •• وبكل تأكيد فإن رفض المعارضة عقد هذا المؤتمر قبل تحقق شروطهم سيؤدي إلى إضعاف الموقف الدولي المتعاطف معهم والضاغط بقوة على الروس وعلى الإيرانيين وكذلك على النظام.. وذلك يعني تراجع الدعم الدولي للمعارضة أيضا. •• وما يحدث الآن هو أن اتصالات مكثفة تجري مع المعارضة السورية لإقناعها بالمشاركة الفاعلة وترك الحوار يأخذ مجراه.. لأن من طبيعة العمل السياسي هو الدخول في حوارات مباشرة بين الفرقاء بحضور ومشاركة الأطراف المعنية بقضيتهم. •• وإذا لم يعقد مؤتمر جنيف2 بسبب موقف المعارضة الرافض.. فإن التوصل إلى حلول عملية لن يكون ممكنا.. لأن حلولا كهذه لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل تقديم جميع الأطراف تنازلات كبيرة تسمح بالتقدم الذي يقود إلى إيقاف الحرب (أولا) منعا لمزيد من الخسائر البشرية والمادية على حد سواء.. صيغة الحل المطروحة •• ويأتي في مقدمة التنازلات المطلوب التوصل إليها خلال الجولات والمشاورات الراهنة بين جميع الفرقاء.. قبول «الأسد» بعدم المشاركة في المرحلة الانتقالية بأي صورة من الصور.. وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتقاسمها المعارضة وأنصار النظام لمدة زمنية محددة بحيث يتم الإعداد خلالها لكتابة دستور جديد يضع أساسا لقيام مؤسسات دستورية منتخبة.. تشرف على إجراء انتخابات رئاسية نزيهة لا يشارك فيها الأسد ويتاح فيها للجميع التقدم لها تمهيدا لقيام نظام رئاسي أو برلماني جديد في سورية.. •• هذه الصيغة التي لا أستبعد أن تكون الآن متداولة داخل كواليس جميع الأطراف المتداخلة في الوضع السوري.. قد لا يكون الاتفاق عليها مقبولا عند بعض قوى المعارضة وكذلك النظام.. ولا بين الأطراف المتداخلة في القضية أيضا. •• لكنها وإن شابهت صيغة الحل الذي طبق في اليمن إلى حد كبير إلا أنها تبدو صيغة منطقية ومعقولة.. ولها هدف محوري وأساسي هو إيقاف نزيف الدم في سورية.. والتسليم بالحقائق الملموسة على الأرض.. والاقتناع بأن القوة لن تكتب نهاية للصراع بين المعارضة والنظام لاسيما بعد أن دخل حزب الله طرفا في الصراع إضافة إلى وجود إيران وروسيا في الداخل السوري منذ البداية. •• والمشروع السالف ذكره.. يرفضه النظام أكثر من رفض المعارضة له.. وإن كانت بعض أطراف المعارضة ترفضه بشدة وتحاول إقناع الوفد السوري بعدم الذهاب إلى جنيف قبل الحصول على ضمانات بتنحي الأسد.. وهو مطلب لا يملك أحد الالتزام به قبل عقد اللقاء وبدء الحوار بشأنه.. خيارات الأسد وأعوانه •• لذلك أقول إن مشاركة المعارضة - من حيث المبدأ - في المؤتمر.. والانخراط في الحوار ضرورية.. لأنها سوف تفقد النظام وأعوانه ورقة هامة يراهنون عليها وهي اختلاف قوى المعارضة تجاه حضور المؤتمر والمشاركة فيه.. وتضع الأسد ونظامه أمام أمر واقع وتعرضهم لضغوط دولية شديدة.. لا يملكون إلا أحد أمرين تجاهها: • الأمر الأول: هو الحضور والمشاركة والتصلب وعدم إظهار اللين تجاه مسألة عدم استمرار الأسد في السلطة في المرحلة الانتقالية.. وبالتالي إفشال المؤتمر وتحمل ما قد يترتب على هذا الموقف المتعنت.. • الأمر الثاني: هو القبول بتخلي الأسد عن المشاركة في المرحلة الانتقالية مع اشتراط التكافؤ في التمثيل في حكومة الوحدة الوطنية (الحكومة الائتلافية المتوقع تشكيلها) أملا في تحسين فرص استمرار سطوة النظام وتأثيره في مسارات المرحلة الانتقالية.. •• وإذا حدث هذا فإن المعارضة تكون قد حققت نقطة هامة في صراعها مع خصومها.. لكنها ستفقد هذا المكسب السياسي إذا هي امتنعت عن الحضور.. أو بالغت في طرح شروط غير مقبولة على طاولة التفاوض.. فرص انعقاد المؤتمر •• وفي اعتقادي أن المؤتمر سوف ينعقد حتى وإن غابت عنه المعارضة حتى وإن مارس ممثلو النظام مستوى من الصلف والتعنت.. لأن الدول (الأطراف الأخرى) مصممة - فيما يبدو - على حسم القضية في الأشهر القليلة القادمة في الاتجاه الذي يؤدي إلى إيقاف الاقتتال.. •• وإذا حضرت جميع الأطراف وغابت المعارضة فقط فإن الشعب السوري سيتحمل نتيجة هذا الغياب وسوف تجد المعارضة نفسها أمام خيارات أصعب في المستقبل. •• والحل الأمثل هو: أن تتعامل المعارضة السورية مع الموقف تعاملا سياسيا ومهنيا محترفا بعيدا عن الشعارات والمواقف القطعية.. لأن الظرف لا يحتمل اتخاذ مواقف متعجلة.. أو حدية بل يتطلب صبرا وتحملا ودهاء سياسيا كافيا.. ومرونة لا تجاوز فيها على الهدف الأساسي والرئيسي المتفق عليه وهو زوال النظام. •• ولذلك فإن على قوى المعارضة.. السياسية والعسكرية والمدنية أن تتخذ قرارا شجاعا بالمضي في التفاوض حتى تضع النظام وأعوانه أمام المسؤولية وتحصل هي على المزيد من الدعم والتأييد الدولي السياسي (أولا) ثم العسكري الكامل.. إذا اقتضت الضرورة. المرونة المطلوبة بحق المعارضة •• ومن مصلحة المعارضة اتخاذ مواقف مرنة كهذه حتى تساعد الأصدقاء ومن ورائهم المجتمع الدولي على التضييق على الأسد ونظامه وتسقط حجج مؤيديه.. وتجد مبررا قانونيا في حالة رفضه كل الطروحات السلمية للدخول معه في مواجهة عسكرية شاملة.. تبدأ بالدعم العسكري الكامل للمعارضة نفسها.. مع توفير الدعم اللوجستي من الأصدقاء.. وتنتهي بدخول الجميع في حرب كسر العظم للنظام وأعوانه بمباركة دولية ومن خارج مجلس الأمن.. كيري/ لافروف.. لقاء هام •• ذلك احتمال لما نتوقعه لمسار جنيف2.. أما المسار الثاني: فهو أن يختلف وزير خارجية أمريكا «كيري» مع نظيره وزير الخارجية الروسي «لافروف» عند اجتماعهما في باريس غدا في إطار التحضيرات لمؤتمر جنيف2 حول تفاصيل الخطة المقترحة وخصوصا ما يتصل منها برحيل الأسد في مرحلة من مراحل تنفيذ الخطة، سواء بقي الأسد داخل سورية أو غادرها إلى خارجها.. •• ذلك متوقع حدوثه لأن الروس يصرون على بقاء الأسد.. وحتى وإن وافقوا على رحيله في إطار ترتيبات المرحلة الانتقالية فإنهم سوف يصرون على ممارسته حقه في التقدم للانتخابات الرئاسية القادمة حتى وإن ترك الرئاسة الآن.. وهو التوجه الذي ترفضه المعارضة ولا يقبله كل الحلفاء دون استثناء.. وإن لم يتضح الموقف الأمريكي والأوروبي بعد بمثل هذه الصورة القاطعة التي يجسدها الموقف العربي الداعم للمعارضة والمشدد على ضرورة خروج الأسد كلية من السلطة.. بل ومن البلد أيضا.. وهو ما يطالب به معظم السوريين ولا توجد أدنى إمكانية في القبول به عند أي طرف من الأطراف.. •• لأن قرار مغادرته سورية بدلا من محاكمته يعتبر مسألة خلافية بين قوى المعارضة.. وإن كانت هناك أصوات قوية أخرى بداخلها ومن خارجها لا تمانع في مغادرته.. المهم هو أن يترك السلطة نهائيا. المخرج من المأزق •• وكما قلت في تحليل سابق.. فإن الروس يدركون أن الإصرار في اجتماع الغد وفي مؤتمر جنيف2 في حالة عقده على استمرار الأسد سيؤدي إلى توسيع دائرة الحرب.. والانتقال الفوري من الحل السياسي إلى الحل العسكري.. وأنهم أول من يفقد رهانهم.. وكذلك مكاسبهم من وراء مواقفهم الداعمة للنظام لأن الروس في الحقيقة لن يتمكنوا في النهاية من مواجهة الأساطيل الحربية الراسية على الشواطئ المحيطة بمنطقة الصراع.. كما أنهم لا يستطيعون الوقوف أمام إرادة دولية تتشكل الآن بقوة خارج مجلس الأمن لدعم الحل العسكري والقذف بإيران وروسيا والنظام خارج الأراضي السورية.. وبالتالي فإن عليهم أن يقبلوا بالخطة وأ يوافقوا على مبدأ خروج الأسد من الحلبة نهائيا.. •• وفي هذه الحالة فإنه لن يبقى أمام الروس إلا شيء واحد هو أن يبحثوا عن ثمن يحصلون عليه قبل موافقتهم على هذه الخطة. •• ولا يعرف أحد ما هو هذا الثمن الذي يبحث عنه الروس وإن كان الإيرانيون يعرضون عليهم فكرة تشاطر الهيمنة على المنطقة وتقاسم المنافع المترتبة على ذلك مقابل تعزيز مصالحهما المشتركة على المستويين الثنائي والإقليمي.. وكأن القرار بيدهم وليس بيد دول المنطقة وأصدقائهم في العالم.. •• وإن الروس يدركون أن إيران نفسها مهددة في المستقبل إن واصلت تدخلاتها في شؤون دول المنطقة ويعرفون أيضا أنها ستواجه ضوائق اقتصادية شديدة في المستقبل وأنها لن تكون قادرة على تحقيق أي منفعة لهم.. في الحد الأدنى.. أما في الحد الأعلى فإن الضربة المفاجئة ماتزال قائمة كأحد الخيارات الحاسمة إذا فشلت المساعي الدبلوماسية الراهنة معها بالنسبة للاستخدامات النووية في أغراض غير سلمية.. •• يعرف هذا الروس ويعرفون أن علاقاتهم المباشرة مع دول المنطقة المؤثرة اقتصاديا لن تكون على ما يرام في المستقبل لاسيما إذا هم دخلوا في شراكة كاملة مع إيران في المرحلة القادمة. •• ورغم كل هذا فإن صفقة من نوع أو آخر قد تتم.. لكنها لن تكون لحساب الأسد ونظامه على أي حال من الأحوال.