يستدرون العطف بمشهد تمثيلي بارع تحت أشعة الشمس الملتهبة وبين السيارات التي تقف أمام إشارات المرور، يتحركون بعاهات طبيعية وأخرى صناعية كدمى يوجهها من يريد أن يتاجر بذوي الحاجة طالما بقيت جيوب أهل الخير الحزينة على مثل هذه اللقطات تدفع دون وعي وإدراك لخطورة ظاهرة باتت قبيحة حد الأذى. لا تكاد عيناك تسقط على سوق تجاري إلا وتصافحك نظرة طفل لم يبلغ الحلم ينتظر شفقتك وإحسانك لتضعها داخل كوفية مهترئة يعتمرها آناء الليل والنهار، حتى وأنت تسبح بحمد الخالق داخل بيوت الله سيخرج عليك صوت يقطع أذكارك ملقيا خطبة عصماء بما تجود قريحته في فن التربح والتسول، طالبا أن يساعده المحسنون في إكمال رحلته العلاجية الوهمية. في أحد ميادين العروس استوقفنا طفل لم يتجاوز العاشرة كانت ذراعه مبتورة، وطلب منا المال وحين سؤالنا عن سبب عاهته لم يتحدث ومضى في سبيله بينما هرب آخرون بمجرد أن رأوا فلاشات الكاميرا. أعداد المحتالين والمحتالات تنتشر في أي مكان تذهب إليه، لم نلبث إلا قليلا وأمام إحدى محطات الوقود بدا رجل مسن يمسك بورقة يطلع عليها المارة والسيارات المتوقفة أمامها فهناك من يصد عنه وآخرون يعطفون عليه، وبالتحدث إلى المسن الذي كان خائفا عند سؤاله عن سبب تسوله قال: لا أحمل إقامة نظامية وكسرت ساقي حينما كنت عامل بناء وهو ما اضطرني إلى إحضار تقرير طبي يفيد بإصابتي بمرض خطير عن طريق أحد أصدقائي لأستدر عطف الناس، وبين بأن دخله المادي من خلال هذه الورقة يصل إلى 300 ريال في اليوم معتبرا أن المواطن لم يعد يدفع مثل السابق لعلمه بمثل هذه التصرفات الكاذبة. إحدى المتسولات بدت بعباءة بيضاء تطلب المال لتعول أطفالها الأربعة المتكورين داخل حظيرة ضيقة قريبا من إشارة مرورية تحدثت بقولها: لا أجد مكانا أعمل فيه، مستدركة «التسول ليس عملا شاقا وهو بسيط ومدخوله جيد وأتحرك خلال ساعات عملي التي لا تتجاوز الخمس ساعات من إشارة مرورية إلى سوق تجاري ثم أفترش أمام باب المسجد وهو المكان الذي يكون مربحا»، وعن دخولها إلى المملكة قالت بأنها حضرت في موسمي الحج والعمرة لتجد الكثير من أبناء جاليتها في استقبالها وهن يقمن بشكل غير قانوني، ونعمل كخادمات في المنازل أو متسولات. على الجانب الآخر يرى مواطنون بأن المتسولين باتوا يشكلون خطرا على الممتلكات لانتشارهم في الأحياء والمراكز التجارية وأمام البنوك ويشوهون المنظر العام مطالبين بأن يتم التحري حول وجود عصابات تقلهم من مكان إلى آخر للتربح واكتساب المزيد من الأموال من جيوب الناس. وتحدث سعيد القحطاني بقوله إن المسؤول الأول والأخير عن ظاهرة التسول هو المواطن لأنه هو من يدفع للمتسول رغم معرفته بأن هناك الكثير من الحيل التي سمعها ويراها لذا من الضروري أن يؤمن الناس بهذه المشكلة وأن لا يلقوا صدقاتهم بأيدي المتسولين. بينما ذكر علي الثقفي أن كثرة مطالبة المتسولين تجبرك أن تتصدق مكرها حتى لا تتعرض للإزعاج لكن الغريب في الأمر هو التوزع المتقن من المتسولين في الميادين المختلفة وفي أحياء بذاتها وكأن هناك عمليات منظمة، مطالبا بتكثيف الجولات الميدانية والرقابة عليهم ورصد تحركاتهم والإطاحة بهم. ويلفت أحمد الغامدي إلى أن العمل الممنهج أدى إلى أن يكون التسول مهنة تدر الربح الوفير لمن يمتهنها، مبينا بأن المشكلة الأكبر المتاجرة بالأطفال والنساء مستغلين ضعف الرقابة في بعض الأماكن وكذلك استغلال من به عاهة منهم في امتهان التسول، مستغربا من دور مكافحة التسول في رصد مثل هذه الظاهرة المسيئة. واستغرب نواف العامري وصول المتسولين إلى بيت الله، حيث لم يسلم المصلون من ازعاجهم فبمجرد انقضاء وقت الصلاة لا يتوانون عن الحديث بصوت عالٍ يقطع التسبيح والأذكار وهو الأمر المزعج الذي لا بد من إنهائه. إلى ذلك قالت ابتهاج نقشبندي المستشارة والباحثة في شؤون الانسان بأن التسول بات ظاهرة مجتمعية ولا تقع مسؤوليتها على المواطن فقط بل تتعدى ذلك إلى الجهات الرقابية وأضافت: تحول التسول من ظاهرة إلى مهنة وحالة معممة وتتخذ أحيانا شكل الجريمة، وبينت نقشبندي إلى أنه من المفترض أن تكون هناك ورش عمل بين الجهات المختصة لزيادة الوعي المجتمعي في هذا الإطار ومن هنا تنطلق أهمية الوعي المجتمعي، كما أن دور مراكز الأحياء لا يقل أهمية في هذا الخصوص، واقترحت نقشبندي إنشاء جمعية تبحث في أمور المشردين وتختص بمتابعة أوضاعهم حتى لا يكون أي هناك عمل إجرامي يعود بالسلب على المجتمع. من جهته قال مدير مكتب مكافحة التسول سعيد الشهراني بأن عمل المكافحة لا يزال مستمرًا مع اللجنة المشكلة من قبل عدد من الجهات كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشرطة والجوازات وغيرها، لافتا إلى أن الحالات التي يتم ضبطها تفرز ثم يتم إحالة الأجانب إلى إدارة الوافدين بينما يحال ما يضبط من حالات فردية ونادرة جدا من السعوديين إلى مكتب المكافحة، حيث يتم التواصل بعدها مع مكتب البحث الاجتماعي في المكافحة للتعامل معها، وبين الشهراني بأن المسؤولية مشتركة بين الجميع، حيث إن المواطن شريك في تقديم صدقته إلى من يستخدمون الحيل لاستدرار عطف المواطن والمقيم، وأشار إلى أنه من المؤكد من خلال الواقع الميداني أن هناك مجموعات تقوم بتشغيل الأطفال والنساء واستخدامهم في التسول معتبرا أن توعية المواطنين والمقيمين في هذا الجانب أمر ضروري من قبل وسائل الإعلام. من جانبه أكد المتحدث الإعلامي لشرطة جدة الملازم نواف البوق بأن هناك حملات يومية وأسبوعية مكثفة في الكثير من المواقع كالمساجد والأسواق والميادين، حيث انتهجت شرطة جدة المتابعة السرية ثم الضبط، وأضاف بأن هناك تواجد لسيارات سرية تقوم بالتوثيق عن طريق التصوير الفوتوغرافي وكذلك بالفيديو ثم يتم بعدها متابعة ومراقبة المتسولين واتجاه أماكنهم ليتم ضبطهم بناء على التحريات، ولفت إلى أن هناك ضبطيات لمتسولين لها طابع التنظيم وبعضها بشكل منفرد، وأهاب البوق بالمواطنين إلى الإبلاغ عن حالات تسول وذلك ليكون التعاون مثمرا مع المواطنين حتى نتلافى ونتخلص من هذه الظاهرة السلبية. ويقول محمد عبدالله بات المتسول إذا لم يلق تجاوبا مع طلبه المتكرر عبر الطرق على نافذة السيارة فأنه يقوم «بالشتم بعبارات غير لائقة» ولكن عدم التجاوب معهم يجعلنا نساهم في انحسار الظاهرة. فيما تقول لمياء عبدالله ألاحظ أن النساء أكثر تجاوبا من غيرهم من الشباب والرجال مع طلبات المتسولين والمتسولات وإن لم يكن بالفلوس يمتد إلى شراء وجبة غذائية، في حين ينبغي توجيه فعل الخير إلى المستحقين في الأربطة الخيرية لأن المتسولين أغلبهم كاذبون ومتصنعون. بدورها تؤكد الشؤون الاجتماعية أن دورها في ملف المتسولين واضح، وأنها تسعى لمعالجة أوضاع المتسولين، حيث تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 95 % منهم من الأجانب وأن 45 % منهم سيدات وهؤلاء ليسوا من مسؤولية الوزارة التي تهتم بوضع المتسول السعودي، فالمتسول إما أن يكون قادرا على العمل وهذا يوجه لمكتب العمل، وإما أن يكون يتيما فيوجه لدور الأيتام وكبير السن يوجه لدار المسنين.