تمر المنطقتان العربية والإسلامية بمرحلة حساسة ودقيقة وخطيرة على المستوى السياسي قد تدخلها في إعادة تموضع وتركيب لتحالفاتها تختلف في الشكل والمضمون عما عهدته أواسط القرن الماضي، حيث شكلت العناوين السياسية الجامعة وشعارات الوحدة أحد أهم مداميك التقارب آنذاك إلا أنه ومع بقاء أهمية هذين العنوانين برز مطلع القرن الحالي وبقوة العامل الاقتصادي والتنموي كمدماك أساسي تقوم عليه منظومة المصالح المؤسسة لبناء العلاقات السياسية المستدامة القائمة على مجموعة لا يستهان بها من المشتركات والأهداف المتوحدة. هذا من جهة، لكن في الجانب الثاني وبفعل تداعي البنيان السياسي العربي والحراك الذي يلفه، فإن هذه المراجعة لشكل التحالفات العربية وتركيب مواقع القرار فيها شكلا ومضمونا تشكل أحد أهم وأبرز التحديات القائمة والتي تسمح لإيجاد حل للأزمة السورية وتلبية محقة لتطلعات وتضحيات هذا الشعب الذي دفع من حريته وكرامته ولقمة عيشه ويبذل الآن الدماء الزكية لتأكيدها وتحقيقها. ربما يكون هذا قدر الأوطان الكبيرة أن تحمل القضايا الكبيرة وأن تجعل تقاربها نقطة جذب وفلكا سياسيا تدور حوله منظومة دول وحركات وتطلعات شعوب وهذا ما يمكن أن يفعله بحق وصدق التقارب السعودي التركي الذي يأتي في لحظة تحتاج فيه أمتنا إلى مزيد من عناصر القوة التي تمتن حضورها وإلى المزيد من عوامل التقارب التي يغني كونها ويجعلها أكثر حضورا وفاعلية، فالمملكة العربية السعودية صاحبة الرصانة السياسية والرؤى المستقبلية والثبات في المواقف ستكون قادرة على بناء علاقة ود وأخوة وشراكة مبنية على أسس متينة مع تركيا الصاعدة في الدورين السياسي والاقتصادي والحضور في المنطقة والعالم، فالتحديات الكبيرة تحتاج إلى تقارب هذين القطبين المسلمين لما يتحليان به من اعتدال وحرص على استقرار المنطقة وتحقيق تطلعات قضايا الأمة الإسلامية وتعزيز الأمن والسلم العالمي. ولعل موقع تركيا الاستراتيجي يشكل ضمانة ودعامة للاستقرار في المنطقة ويعمل على ازدياد احتمالات التنمية بالتوازي مع قيادة الملكة العربية السعودية للمسيرة العربية والإسلامية في تطلعات عبر عنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في دعوته لتحقيق الاتحاد الكامل لمجلس التعاون الخليجي وفي دعم المملكة المطلق لإصلاحات جذرية في بنية جامعة الدول العربية وفي تعزيز التضامن الإسلامي. فهل يشكل التقارب السعودي التركي رسالة إلى المتطاولين في دورهم السلمي وحرص البلدين في استقرار المنطقة وإيجاد حلول لقضايا الأمة وتلبية نداء الاستغاثة القادم من سورية المنادية بالحرية والكرامة وإيجاد التوازن في المنطقة في ظل وجود دول إقليمية ترغب في إحداث حالة عدم الاستقرار في المنطقة عبر تدخلاتها المشبوهة. وفي جميع الأحوال فتقارب الكبيرين هو التقاء المتشابهين وتواصل المتفقين لا أكثر ولا أقل.