حث سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ عموم المسلمين على اتباع الأسلوب الشرعي في النصيحة مبينا مجالاتها وأنواعها وفضلها، وقال: يجب على الناصح أن يكون مخلصا لله في نصيحته وليست نصيحة رياء ولا سمعة، ولا إثبات وجود ولا ذا شخصية، ولا أن تطير الصحف بكلامه وقيله وقاله؛ بل لأجل أن يعلم الله منه أنه أراد الخير بمن نصحه، فمن أخلص لله في نصيحته وكان هدفه وجه الله والدار الآخرة فإن الله يوفقه بأن تقبل نصيحته وتؤخذ بالقبول. وبين عددا من ضوابط النصيحة، لافتا إلى ضرورة أن يكون الناصح عالما بحقيقة ما ينصح به، فلا ينصح بشيء يخالف الحق، وأن يتأكد من نصيحته، كما عليه أن يكتم النصيحة سرا بينه وبين من ينصحه، وكذلك اختيار الأسلوب المناسب في الحديث، والنصح لجماعة المسلمين، شفقة عليهم، ورحمة بهم، وبذل المعروف وكف الأذى، والبعد عن الغش والخيانة والخديعة ... فإلى التفاصيل: • نأمل من سماحتكم توضيح المنهج الشرعي في النصيحة ومجالاتها والضوابط الشرعية لها؟ (عادل عبدالكريم) •• إن للنصيحة شأنا عظيما وأهمية كبرى في حياة المسلم، فهي سبيل لتماسك المجتمع وتعاون أفراده، وإصلاح ما حصل من خلل في بنيانه، وهذه النصيحة لها فضائلها العظيمة. مجالات النصيحة متعددة فبالإجمال .. أولا: النصيحة لله، وهي إخلاص العمل لله، إيمانك بالله جل وعلا ربا وخالقا ومدبرا، تفرده بالعبودية لا تعبد معه سواه، تصرف كل أنواع العبادة له لأنه المستحق لها لا يستحق لها غيره. والنصيحة لمحمد صلى الله عليه وسلم، إيمانك الكامل بأنه عبد الله ورسوله، وخاتم أنبيائه، نسخ الله به الشرائع، وختم برسالته النبوات. وتنصح لولاة أمور الأمة، وتعتقد إمامتهم، وطاعتهم وتعينهم على الخير، وتذكر محاسنهم، وتنفذ ما أمروا به وتترك ما نهوا عنه إذا لم يخالف شرع الله، تجمع القلوب على قدر استطاعتك وتحبب الناس إليهم، وتمتنع عن الخروج عليهم، ولا تصغي لأي ناقد يريد الحقد والبغضاء، وتفريق شمل الأمة، فإن السمع والطاعة لولي الأمور بالمعروف من أسباب استقرار الأمة واطمئنانها، واطمئنان حياتها. إن لهذه النصيحة ضوابط لابد منها: فأول وقبل كل شيء، أن يكون الناصح مخلصا لله في نصيحته ليست نصيحة رياء ولا سمعة، ولا إثبات وجود وذا شخصية، ولا أن تطير الصحف بكلامه وقيله وقاله؛ بل يعلم الله منه أنه أراد الخير بمن نصحه، فمن أخلص لله في نصيحته وكان هدفه وجه الله والدار الآخرة فإن الله يوفقه بأن تقبل نصيحته وتؤخذ بالقبول. ومن ضوابط النصيحة: أن تكون عالما بحقيقة ما تنصح به، فلا تنصح بشيء يخالف الحق، تأكد من نصيحتك، هل هذا الموقف يقتضي هذا أم لا ؟، فإن لم يكن عالما ربما أشار بجهل، فلابد من العلم بحقيقة ما تنصح. ثالثا: لابد أن تكتم هذه النصيحة سرا بينك وبين من نصحته، ومن النصيحة أيضا: أن تختار الأسلوب المناسب في الحديث، وتنصح لجماعة المسلمين، شفقة عليهم، ورحمة بهم، وبذل المعروف وكف الأذى، والبعد عن الغش والخيانة والخديعة، إذن فمجالات النصيحة عامة باعتبارها حقا لله، ولرسوله ولعباده. لذة الصلاة • كيف يذوق المسلم لذة الصلاة وأداءها على الوجه الأمثل، وماهي الصلاة المؤثرة في صلاح القلب؟ (غرم الله الزهراني). •• الصلاة المؤثرة في صلاح القلب وزكاة النفس، واستقامة الأخلاق والسلوك، هي الصلاة التي تؤدى بطمأنينة وأناءة لا عجل في أدائها؛ ولكن طمأنينة في الأداء، أداء من يرغب فيها ويحبها، لا أداء من يراها حملا فوق ظهره، يلقيها عن ظهره، لا، إنما أداء من يحبها ويرغب فيها، ويستأنس بها، ويؤديها كاملة الشروط والأركان والواجبات، تلك هي الصلاة المؤثرة، تلك هي الصلاة النافعة، الماحية للخطايا والسيئات، تلك الصلاة التي هي نور للعبد، وضياء له في الدنيا ونجاة له في الآخرة. فاطمأن واخشع في صلاتك، واحرص على تأديتها بطمأنينة في قيامك وفي ركوعك وفي اعتدالك بعد الركوع، وفي سجودك، وفي اعتدالك بين السجدتين. وكل أركان صلاتك لا بد أن تؤديها بطمأنينة، لترى اللذة والراحة والنفس الزكية عندما تؤدي تلك الصلاة، واحذر أداء من ينقرها ويستعجل في أدائها، ولا يذوق لذتها ولا حلاوتها. أنواع الصبر • ما أبرز أنواع الصبر وكيف ينمي المسلم هذا الخلق فيه؟ (سعيد باغفار). •• لنعلم أولا أن الصبر بالتصبر وقبل ذلك بالاستعانة بالله ودعائه وطلبه أن يعين المسلم على التحلي بهذا الخلق الكريم، والصبر على أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن معاصي الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة. فالصبر على طاعة الله: فإن الطاعة عبادة لله، وقد أمر الله بالصبر على عبادته فقال: (رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا) .. وقوله: (واصطبر لعبادته) أي أصبر على العبادة ولازمها.. قال تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها). فيصبر المسلم على الطاعة: يصبر على الفرائض الخمس وعلى أدائها جماعة بالمساجد في وقتها، مهتما بها، محافظا على شروطها، وأركانها وواجباتها، يصبر في أداء صلاة الجمعة ويبكر إليها، ويستفيد من هذا الخير العظيم. يصبر على بر الأبوين، رغم كبر سنهما، وضعف قوتهما وقلة حيلتهما، ونفاد صبرهما، يصبر عليهما صبر الكرام: (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا). يصبر على رحِمه، فيصل الرحِم وإن قطع .. «ليس الواصل بالمكافئ، إنما الواصل الذي إذا قطعت رحِمه وصلها» ، يصبر على رحِمه فيحسن إليهم، ويبذل المعروف ويتحمل الأذى، ويصبر على ما يصدر منهم طاعة لله وتقربا إليه. يصبر العامل على أداء ما أؤتمن عليه من عمل، يصبر الموظف على وظيفته وأدائها وقتا وأداء كاملا طاعة لله وصبرا على هذا العمل المناط به. يصبر المسلم على الكسب الحلال وإن قل، لا يزهده في الحلال قلته، ولا يرغبه في الحرام كثرته، قال تعالى: (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث)، فيصبر على المال الحلال الطيب وإن قل عدده، لأن فيه البركة والخير، ويبتعد عن الحرام وإن زاد عدده إذ لا خير فيه في عواقب الأمور. ومن الصبر البعد عن معاصي الله: فالمعاصي والشهوات المغريات تصرف الإنسان عن طاعة الله، وتحسن المعاصي والسيئات. خيانة الدين والوطن • ماعاقبة خيانة الدين والوطن، وهل من كلمة لأولئك الذين وقعوا في براثن هذا الجرم الأثيم؟ (خالد مفتاح). •• خيانة الأمة والأوطان صورها عديدة ومنها بأن يكون أي فرد من أفراد الأمة مطية للأعداء الذين يريدون نشر الأحقاد والفرقة بين أفراد المجتمع، ومن خيانة الأمة الزج بشبابها في أمور تتأثر بها عقولهم ويزجون بهم في أمور ترجع عواقبها لهم بالذل والهوان، ومن ذلك الاتصال بالقنوات الفضائية الفاسدة التي ظاهر عداؤها للإسلام والدين والفضائل والقيم الحاقدة على هذا المجتمع وعلى قيادته وأمنه واستقراره من خلال التحدث معهم ونقل أخبار الأمة لهم والمشاركة معهم وإدلاء الآراء لهم كل هذا من خيانة الأمة، فليحذر المسلم من ذلك فوطن المسلمين أمانة في أعناق الأمة المسلمة فخيانة الوطن إقرار بدعوة المفسدين والمجرمين لقيام الإرهاب والفساد في هذه الأمة، فحماية الوطن أمانة في عنق كل مسلم فلا يتستر على أي مجرم أو مفسد أو إرهابي فإن هذا من خيانة الأمانة. • طلقت زوجتي وهي في العذر الشرعي ، وكانت في اليوم الرابع ، وأرجعتها في اليوم الخامس وهي في العذر أيضا ولم تطهر فهل يقع الطلاق حينئذ ؟ وهل تحسب عليها طلقة وجهونا ؟ وجزاكم الله خيرا. (أبو محمد). •• الأصل في الطلاق أن المسلم يطلق امرأته في طهر لم يجامعها فيه ، أو يطلقها وهي حامل قد استبان حملها ؛ لأن الله يقول : أي في إقبال عدتهن بأن تطلقوهن طاهرات لم تمسوهن بجماع. والنبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ابنه عبد الله طلق امرأته وهي حائض غضب صلى الله عليه وسلم وقال : مره فليراجعها ، ثم ليمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد ، وإن شاء طلق قبل أن يمسها ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء، متفق عليه. قال العلماء رحمهم الله : الطلاق المشروع أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه أي : عقب انقضاء حيضتها ، أو يطلقها وهي حامل فهذا هو الطلاق المسنون.. وأما أن يوقع الطلاق عليها في حيضها ، أو يوقع الطلاق عليها في طهر قد جامعها فيه ، أو يجمع ألفاظ الطلاق الثلاث في لفظ واحد بقوله : أنت طالق بالثلاث ، فهذا يسميه العلماء طلاقا بدعيا أي : ليس على وفق ما شرعه الله ورسوله ، قالوا : لأنه إذا طلقها في الحيض فهذه المدة في الحيض لا تحسب من عدتها ، وإنما يحسب عليها حيضة مستقبلة فتطول عليها المدة. ثانيا : أن المطلق طلاقا رجعيا مأمور بأن يبقي المرأة عنده في منزله عساه أن يعود إليها ، وعسى نظرة تحدث في القلب محبة ومودة ، لكن إذا طلقها وهي حائض فإنه لا يرغب فيها ؛ لكون جماع الحائض محرما ، فقد يكون صدوده عنها أثناء الحيض يزيد الأمر بعدا . أما تطليقه لها في الطهر الذي جامعها فيه فإنه يضرها من ناحيتين من طول العدة ؛ لأن الحامل عدتها بوضع حملها كما قال الله تعالى. فالمرأة الحامل عدتها بوضع الحمل فطلاقها في طهر جامعها فيه قد يطيل عليها عدتها ، ومن ناحية ثانية لعلها إذا طلقها في هذه الحال أن تكون حاملا فيندم على هذا الطلاق ولعل هذا الطلاق يكون الأخير فيكون فيه ضرر عليها وندم عليه ، فالمقصود أن الطلاق في الحيض وفي الطهر الذي جومعت فيه أو جمع الثلاث بلفظ واحد هو طلاق مبتدع. • ولكن هل هذا الطلاق إذا صدر من الزوج يقع ويعتبر أم لا ؟ •• هذا مما اختلف العلماء فيه ؛ فمن العلماء من قال : إن هذا الطلاق مخالف للشرع، وواقع على خلاف الشرع، ومنهي عنه، إذن فلا اعتبار للطلاق في الحيض، ولا اعتبار للطلاق في الطهر الذي جامعها فيه، وإذا جمع الثلاث عليها بلفظ واحد فهي واحدة .. قالوا : لأنه خالف الشرع فمخالفته للشرع لا تجعل هذا الأمر نافذا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » ؛ ومن العلماء من قال : إن الطلاق في الحيض ولو كان إثما فإنه يقع ، وكذلك في الطهر الذي جامعها فيه، وإذا جمع الثلاث بلفظ واحد فإنها ثلاث، وإن كان بخلاف المشروع، فالزوج إذا أوقع الطلاق وقع الطلاق دون النظر إلى المحل هل المرأة حائض، هل هي جومعت في طهرها، ودون النظر بأنه تلفظ بثلاث بلفظ واحد ، فأوقعوا الطلاق البدعي مع اعتقادهم حرمته، وهذه مسألة خلافية لكل من الفريقين دليل يستدل به، ولعل أخانا السائل يتصل بالإفتاء ويجد الجواب الشافي له.. وعلى السائل أن يستفتي ذا علم واجتهاد، فإن أفتاه بما يظهر له وبما يراه موافقا للشرع عمل المستفتي بفتواه .. ونسأل الله للجميع التوفيق.