إذا قادتك الصدفة يوما للمرور أمام مبنى سكن عمال النظافة في منطقة الكعكية بمكةالمكرمة، لاشك أنك ستشاهد الاختناقات والكثافة البشرية العالية هناك، وتسمع الأصوات العالية. وقد يتبادر إلى ذهنك على الفور أن هناك مشاجرة بين الموجودين، ولكنك سرعان ما تكتشف أن كل ذلك ما هو إلا تدافع للدخول إلى مقر سكن العمال، الذي تحول بغفلة عن أعين الرقابة إلى سوق شعبي وكرنفال تجاري يومي، يبيعون فيه كل شيء من البضائع الجديدة وصولا إلى المستعملة وسلع يتم جمعها من مخرجات المنازل مثل الأحذية والملابس وغيرها، التي يعمل عدد من عمال النظافة على أخذها من الأهالي أو جمعها من النفايات لإعادة بيعها وتسويقها على بني جلدتهم من العمال داخل السكن. وإذا دخلت المكان سترى بأم عينك كيف تحولت ساحات فناء السكن إلى محلات تجارية منظمة لبيع الممنوع من أفلام واسطوانات إباحية، الأمر الذي يدعوك للتساؤل عن الرقابة، وأين هي عن كل هذا؟ ولماذا تشيح الجهات المعنية بنظرها عن ما يجري في هذا المكان؟ وتنتقل من هذه المحلات لتجد «البسطات» التي تبيع الملابس المستعملة والأحذية والأقمشة المستعملة، وفي المكان أيضا جانب مخصص لغسيل الملابس وصالونات للحلاقة ومنطقة للاتصالات الدولية والتي يتاجر أصحابها بتوفير الهواتف النقالة بجعلها كبينة عشوائية للاتصالات الدولية ووضع أسعار مختلفة على حسب البلد المتصل إليه، ومنطقة لفك وتشليح الأجهزة الكهربائية وبيعها في سوق الخردة، وهناك أيضا ركن خاص لبيع اللحوم المكشوفة في الهواء الطلق. «عكاظ» انتحلت شخصية عامل وافد ودخلت إلى وسط هذه العمالة لمعرفة البضائع التي تروج في الداخل، وبعدما ركن محرر «عكاظ» سيارته في الخارج طلب أحد العمالة منه 10 ريالات كتأمين عليها، وبعدها فتحت له الأبواب من دون أي رقابة أو طلب أي إثبات، ليصبح بذلك الدخول مسموحا للساكن في الداخل أو الزائر. وبعد الدخول والتجول في المكان حاورت عددا من القاطنين في هذا الفناء والبائعين في المحلات والبسطات العشوائية، وخلال هذا الوقت لاحظت الكثير من الباعة يحاولون الابتعاد عن أعين الرقابة الموجودة داخل السكن. نصيب عثمان، أحد قاطني السكن والمسؤول عن ركن الاتصالات «كبينة عشوائية» قال إن الجوالات التي يستخدموها من أجل توفير الاتصالات للعمال داخل السكن يشترونها بالجملة من سوق حراج الجوالات، كما يشترون شرائح مجهولة من محلات الجوالات داخل السكن وشحنها ليبدأ بعدها توفير الاتصالات إلى خارج البلاد بأسعار تختلف بين بلد وآخر، مشيرا إلى أنه وفر جهازا لحساب الوقت، مؤكدا أنه يسيطر على هذه المهنة داخل السكن ولا شريك له فيها. من جانبه قال سراج نور، أحد عمال السكن، إنه يجمع الملابس والأحذية والكماليات المستعملة التي تخرج من منازل سكان مكة، وتقديمها داخل السكن لبيعها وتنظيفها والعناية بها، مشيرا إلى أن بعض السكان أصبحوا يتعاملون معه لبيع أغراضهم المستعملة بالجملة من ملابس وأحذية وغيرها الكثير. وأضاف أن بسطته تشهد إقبالا كبيرا من الزبائن في كل الأوقات سواء من داخل السكن أو من خارجه، مؤكدا أن الزبائن هم من العمالة الذين يقصدون هذا السوق من كل أنحاء مكةالمكرمة لشراء الملابس أو الأحذية بأسعار زهيدة مقارنة بالمحلات التجارية التي تبالغ في الأسعار. أما فيصل نجم الدين، عامل نظافة من قاطني السكن والذي يبيع اللحوم التي يشتريها بالجملة من الأسواق الشعبية في حي النكاسة، قال إنه يبيع هذه اللحوم بأسعار زهيدة، مشيرا إلى أنه يشتريها بالجملة ثم يفردها ويقطعها داخل السكن ليتمكن من بيعها بالكيلو على العمالة من بني جلدته بأسعار تتراوح ما بين 25 ريالا للكيلو الواحد للغنم و10 ريالات لكيلو الجمل وخمسة ريالات لكيلو البقر، مشيرا إلى أن هذه الأسعار تدر عليه دخلا محترما لاسيما وأنه يشتريها بسعر زهيد جدا. وحول إذا كان يخشى المراقبين قال: «لا توجد أي رقابة من قبل إدارة السكن حيث إن غالبية العمال يبيعون بضائعهم بكل أريحية». بعد الانتهاء من الجولة داخل مقر سكن العمال توجهت إلى خارج المبنى لأستقل سيارتي عائدا إلى المكتب ولكن لسوء الحظ كانت هناك شاحنة كبيرة متوقفة خلف السيارة ما اضطرني للانتظار لأكثر من نصف ساعة ريثما حضر صاحب الشاحنة. لا تهاون «عكاظ» اتصلت بمدير عام النظافة في أمانة العاصمة المقدسة المهندس محمد المورقي الذي أكد أن الأمانة تقوم بجولات ميدانية مستمرة على سكن العمال، مشيرا إلى أن هناك غرامات ومخالفات على المخالفين بشكل مستمر. وأوضح أن الأمانة لا تتهاون مع المخالفين في أي حال من الأحوال وأن العقوبات تنتظر المقصرين.