وأنا في طريقي إلى جسر الكيلو 8 في جدة أو مثلث العمال كما يحلو للبعض إطلاق هذا الاسم عليه كان يهجس في ذاكرتي مشهد المخالفات في هذا الموقع، بحيث إنها أصبحت بمثابة مسرحيات نمطية مخرجها واحد ولكن تتعدد فصولها من بيع الشمة وصنع المعسلات وتدخينها في الهواء الطلق، فضلا عن بيع الممنوعات وانتهاء بالسرقة وغيرها من المخالفات. بداية الجولة كانت من الزاوية المنفرجة التي تقود إلى الجسر وتتعدد مشاهدها ويتفاوت إيقاعها بين الضجيج وثمة بشر من كل جنس ولون يبيعون النشوق «الشمة» ويدخنون الشيشة، ويقفون خلف بسطات لبيع الملابس الرخيصة. وفي الوقت الذي أكدت فيه جوازات جدة أن الفرق الخاصة بها لا تتوانى عن ضبط المخالفين وترحيلهم إلى بلدانهم، فإن عددا من سكان الحي الذي يقع فيه جسر الكيلو 8 يؤكدون أن المخالفين، خاصة الأفارقة منهم، يصنعون الشمة أسفل الجسر. وفي هذا الموقع لا تستطيع بؤرة العين رصد مشاهد المخالفات لأنها كثيرة ومتباينة، فضلا عن وجود نسوة لبيع الشاي والوجبات الأفريقية في الهواء الطلق، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل إن الموقع باب وكر لتجهيز المعسلات والشيشة وتقديمها للمتواجدين تحت هذا الجسر، أو أصحاب الحافلات الصغيرة. ويعد جسر الكيلو 8 مكان استراحة لسائقي سيارات النقل الصغيرة التي ضيقت على المارة وعلى الطريق العام، عدسة «عكاظ» تجولت في الموقع، وما أن ولجنا الى الجسر حتى أطلق المتواجدون تحت الجسر لسيقانهم العنان، ظنا منهم أن أفراد الجوازات داهموا الموقع، حيث حملوا في غمضة عين وانتباهتها ما خف وزنه من بضاعة معروضة، وما أن زالت شكوكهم حول عدم علاقتنا بأفراد الجوازات عادوا إلى مواقعهم غير مبالين بالعدسة. «عكاظ» هذه المرة حاورت المخالفين قبل السكان الذين سئموا من كثرة الشكاوى، حيث إن المخالفين بعد أن اطمأنوا عادوا إلى مواقعهم وبدأ بعضهم يدخنون الشيشة ويرتشفون الشاي. وفي هذا السياق أوضح عثمان صادق من جنسية أفريقية أنهم يجدون ملاذا أسفل الجسر وقال بالحرف الواحد «نجد هنا من يصنع لنا طعاما بسعر أقل من جميع المطاعم، إضافة الى أن المشرفات على إعداد الطعام هن نساء من جاليتنا ونطلب ما اعتدنا على أكله، بالإضافة الا ان الأسعار في متناول اليد». وأضاف: أصبح المكان نقطة تجمع لنا وللقادمين من أماكن بعيدة، خصوصا أصحاب «الدينات»، الذين يقضون معظم الأسبوع في السفر بسبب عملهم في نقل البضائع، فيكون هنا التجمع، حيث يلتقي السائق بجماعته وأصحابه. وقال محمد أمين، وهو متخف من عدسة «عكاظ»، إن الجسر بات موقعا خصبا لتلقي أخبار بلادنا وأهلنا، حيث نجد هنا كثيرا من الأقارب والأرحام والجيران. فيما ذكر محمد آدم عند سؤالنا له عن مكان نومه أن البعض يبقى الى قبيل الغروب ويذهب وآخرون يبقون ويحولون الجسر الى مكان للنوم وذلك بسبب ظروفهم المادية. وفي الموقع نفسه من ناحية أخرى التقطت العدسة مشهد شاب أفريقي مستغرق في شرب الشيشة وعند اقترابنا منه بادرنا بالسؤال «هل تريدون شمة؟» - قالها متهكما - وأردف أن المكان يعج بالمخالفات، وقد شد انتباهنا قرطاس كبير، وعند فتحنا له وجدنا بداخله مادة النشوق، حيث كان صاحبها في موقع آخر من الجسر يقوم ببيعها علانية دون خوف من حسيب أو رقيب. الأمر لا يتوقف عند بيع النشوق وتدخين الشيشة في الهواء الطلق وإنما الموقع تحول إلى سوق، حيث عمد البعض الى استغلال التجمع ويقومون بممارسة نشاط التجارة، فضلا عن قيام البعض بتحويل جزء من الموقع الى جلسات تقدم فيها الشيشة والجراك بكل أنواعه. وفي الجانب الآخر كان لأهالي الحي صرخة مدوية جراء هذه الصورة الصريحة من المخالفة التي تشهدها محافظة جدة.. طارق حسين الشيخي من سكان حي الروابي قال: بكل أسف وحسرة لا حياة لمن تنادي ذاكرا أنه بعد كل حملة للجوازات يعودون الى نفس الموقع بعد ثلاثة أيام، متسائلا عن مكمن الخلل. وأضاف أن الجوازات نفذت حملة مشتركة مع امانة جدة في شهر صفر الماضي للموقع، حيث تم تطهير المكان من المخالفين، الا أنهم سرعان ما عادوا بعد شهر تقريبا وعاد الوضع كما كان عليه، بل سمعنا من البعض المتواجدين تحت الجسر أن لديهم «عيون» تقوم بمراقبة الوضع، ولاسيما أن الموقع يقع على طريق عام، حيث تكشف لهم هذه العيون أية فرقة قادمة ولاسيما إن جاءت بشكل رسمي. من جانبه أوضح موسى السلمي وهو يسكن في الناحية الأخرى من حي الروابي أن الموقع في الصباح يغص دائما بالكثير من المخالفين الأفارقة الذين يأتون لشرب الشاي وتناول الإفطار. وعن الموقع في الليل ذكر أن الجسر يتحول ليلا الى سوق كبير، ودعا الجهات المختصة إلى تخليص الحي من هذه العمالة التي باتت تؤرق حياتهم وحياة أبنائهم. حملات مستمرة أوضحت جوازات جدة في تصريح سابق أن الحملات مستمرة سواء على هذا الموقع أو غيره وأنهم نفذوا عدة حملات في هذا الموقع تحت جسر كيلو 8 ولا زالت الحملات مستمرة، ذاكرة أن هناك حملات بحث وتحر من قبل الجوازات وهي تراقب المواقع المشبوهة التي يوجد بها تجمع مخالف والقبض على المخالفين وإحالتهم الى إدارة الوافدين، مؤكدة في الوقت نفسه أن هناك حملات مشتركة بين الجوازات وعدة جهات أخرى، كأمانة جدة.