أسفل جسر العمال جنوب مدينة جدة، يستوقف المارة مشهد العمالة الوافدة، القابعة بين الأعمدة الخرسانية في انتظار من يطلب أفرادا للعمل بشكل مؤقت سواء أكانوا حرفيين أو رعاة أوغير ذلك، وعلى مقربة من هؤلاء العمال توجد بسطات عشوائية وشاحنات متوقفة تنتظر من يستأجرها لنقل السلع داخل جدة أو إلى خارجها، كما تفوح رائحة المأكولات الشعبية التي تنبعث من المطاعم البسيطة المنتشرة قرب هذا المكان. لكن الظاهرة الأهم والأخطر وجود باعة «الشمة أو النشوق» وإن حاولوا التخفي وعدم الظهور إلا عندما يتيقنون من زبائنهم. فحينما تترجل من سيارتك في شارع فرعي مؤدي لجسر العمال، يتحلق حولك باعة من جنسيات مختلفة آسيويون وأفارقة، وإذا شعروا أنك لست «الزبون المقصود» تجاهلوك وحاولوا التظاهر بالانشغال بأي شيء، تجد بعضهم ينتشر بين الشاحنات المتوقفة أو يأخذ مكانا تحت الجسر محاولا الاختباء بعيدا. «عكاظ الأسبوعية» اخترقت المكان في محاولة لاكتشاف تفاصيل ما يدور. أبو علام الذي أخذ ينظر بعيدا، وكأنه غير مبال، إلا أنه في نهاية المطاف تحدث قائلا: هذا المكان يباع فيه «النشوق» وأنا أبيعه، واسترسل في وصف وطريقة إعداد ومكونات هذه المادة، موضحا أنها تتكون من العطرون، الملح، أوراق التنباك، والخشب، ثم تصبح جاهزة داخل أكياس صغيرة تعرض وتباع بريالين للكيس، واستخدامها يكون عن طريق وضعها في الفم وتحديدا خلف الشفة السفلية أمام اللثة بدون بلع، وليس لها أي أضرار بل أنها أخف من الدخان، على حد قوله . السوداني واليمني في المقدمة وعن أنواع النشوق، يقول أبو علام: هناك أنواع كثيرة من أهمها السوداني والعدني، ويعتبر الأول أجودها وأكثرها طلبا، إلا أنها لا تختلف جميعها عن بعضها فهي نفس المكونات ونفس السعر. ويعترف إبراهيم إسحاق (47 عاما) أنه جاء إلى هذا المكان من أجل شراء النشوق، وقال: النشوق أفضل من التدخين بكثير وأقل سعرا، وأنا أتعاطى النشوق والشمة منذ المرحلة الابتدائية وتحديدا في الثاني الابتدائي، وطيلة هذه الفترة لم أشعر بأي ضرر سوى في أسناني السفلية التي تحولت إلى اللون الأسود، على حد تعبيره . ويضيف: سبب تعاطي النشوق يعود إلى انخفاض سعره الذي لا يتعدى الريالين للكيس، وعدم وجود رائحة له كالتدخين. وطالب سليمان القحطاني، من سكان أحد الأحياء المجاورة لجسر العمال الجهات الأمنية بملاحقة هؤلاء الباعة، خشية أن يحولوا المكان إلى بؤر لبيع وترويج النشوق وممارسة مخالفات أخرى. تجارة ضارة من الناحية العلمية والاجتماعية، يرى الأخصائي الاجتماعي في جدة عبد الله المطيري، أن النشوق مادة ضارة ولها من الآثار السلبية الكثير سواء من الناحية الاجتماعية أو الصحية، مشيرا إلى أنها أصبحت تجارة رابحة لضعاف النفوس، وهي مثلها مثل التدخين، غير أن التدخين يخلف وراءه رائحة كريهة، أما النشوق فهو بدون رائحة ويمكن استخدامه في أي مكان، ويصعب اكتشاف متعاطيه، خصوصا من الأسر التي لا يعرف الكثير منها شيئا عن النشوق أو الشمة، كما أن المتعاطي يحاول التملص والتمويه على أنها شاي وهي تشبه بلونها وشكلها الشاي وهذا واقع ملموس. إدمان وسرطان ويؤكد طبيب الأسنان عماد سليم، أن تعاطي النشوق يسبب الإدمان بسبب وجود مادة النيكوتين السام التي تحتوي عليها مادة النشوق، لذلك فإن المتعاطى بشكل دائم لا يستطيع الفكاك منه بسهولة، لأنه سيكون قد أدمنه بسبب النيكوتين، مبينا أن النشوق يسبب على المدى البعيد سرطان الفم واللثة. فيما أكد المتحدث الرسمي لشرطة محافظة جدة العقيد مسفر الجعيد، أن الشرطة تنظم حملات مداهمة ونقاط تفتيشية وتجري متابعة ميدانية مستمرة لمكافحة بيع النشوق، موضحا أنه من خلال عمليات المداهمة لأماكن تصنيع النشوق حققت الشرطة نتائج ممتازة وهي مستمرة في هذه الحملات بالتنسيق مع مختلف الجهات ذات العلاقة مثل الجوازات والصحة، مشيرا إلى أنه سبق وقبض على عدد من مروجي النشوق، وتمت إحالتهم إلى التحقيق. وحذرالعقيد مسفر كافة شرائح المجتمع من الانسياق وراء هذه الآفات المدمرة للصحة العامة.