كم من الطيور المهاجرة على أحد شواطئ جازان. لم تقف المرأة في جزيرة قماح إحدى جزر فرسان، مكتوفة الأيدي تاركة العمل للرجل فقط، بل وقفت مساندة له في كثير من المواقف، ومشاركة له في عجلة البناء وفق التقاليد والعادات في منطقة جازان. لكن لجزيرة قماح طابعه الخاص بما تقاسمه من شواطئ حالمة الأمر الذي عكس معه نوع وطابع المشاركة للمرأة في تلك الجزر، حيث ساعدت البيئة على نزول النساء للبحر وصيد السمك، بل تميزن كذلك بصيد "الجراجيح" التي تأتي كل موسم وتمارس كل عام في شهر محدد ويوم محدد والمميز في ذلك بأنها تأتي مع موسم الحريد، والنساء هن من يستقبلنها بكل حفاوة وأهازيج متعارف عليها منذ القدم حيث توارثنها من الأمهات والأجداد فجاء ذلك من أجل الحفاظ على تلك الثروة. تتقمص النساء بجزيرة قماح دور صياد الطيور ولكنهن برعن في ذلك بطريقة تقليدية بحتة فالجراجيح طيور ذوات أسراب كبيرة تسمى بالطيور المهاجرة حيث تأتي شهرين من كل عام وهي أبريل ومايو، عندها تجهز نساء قماح العدة من فترة كافية من خلال نصب الشبوك والمصايد التي يصنعونها بأنفسهن استعدادا لصيدها حيث ينصبن تلك الشبوك أو الأقفاص بالقرب من شاطئ الجزيرة لهدوء المكان كما أن النساء يذهبن إليها سيراً على الأقدام لخلو الجزيرة من السيارات. وتميل النساء للاحتفال كعادتهن بهذه المناسبة على مدار الشهرين من خلال الأهازيج والأغاني الشعبية، فيجتمعن عند بعضهن البعض ويقمن بطهي ما نجحن في صيده، ليشاركن بعضهن البعض الوجبة، بالإضافة إلى إهداء بعض صيدهن إلى أهلهن وأقاربهن في المناطق الأخرى، خاصة للأبناء ممن يدرسون خارج الجزيرة أو خارج منطقة جازان. وفيما بدأ موسم الصيد هذه الأيام أكدت فاطمة عقيل أنها تمارس صيد الجراجيح كهواية منذ الصغر حيث كانت تذهب مع والدتها رحمها الله، فاكتسبت الخبرة من ذهابي كل موسم معها حيث كنت تحرص على الصيد في هذين الشهرين وخاصة شهر مايو لأنه الشهر الأخير في الصيد، مضيفة: «هذه الأنواع من الطيور لا تتوفر إلا في جزيرتنا، والمصائد تكون عبارة عن أغصان الشجر اليابسة حيث تغرس في الأرض على شكل مربع أو شكل قفص أو عش ويلف حوله شبك صيد حتى لا يستطيع الخروج من مرة أخرى». وتشير مريم عباس بأن طيور الجراجيح أصبحت معروفة عند الكثير وخاصة سياح الجزيرة لذلك العديد من السيدات أصبحن يتاجرن بها ويكتسبن من وراءها لقمة العيش ففي موسمها يأتي إليها الضيوف ويطلبون كميات محددة ومنهم من يطلبها مطهية جاهزة ومنهم من يفضلها من غير طهي فبرغم ذلك إلا أن أسعارها رمزية جداً ومناسبة. وأبانت عائشة محمد إلى استمرارية جداتها اللاتي تجاوزن الخمسين لهذه الهواية قائلة بأنهن يخرجن قبلنا لصيدها حيث خبرتهن قديمة ويصررن على تعلمنا لها بالطريقة الصحيحة كما أن الأهالي يتمتعون بالثقة حيث ينصبن شباكهن ويتركونها لمدة متأكدين بأنه ليس هناك من يتعدى عليها أو يذهب لشباك الآخر. وأوضحت عقيلة موسى بأن الجرجوح بمجرد ما يشاهد المصيدة يدخل إليها وبعدها يأتي النساء لمطاردته داخلها والإمساك به ومن ثم ينتفن ريشه ومنهن من يفضله مشويا أو مقليا أو مطبوخا والبعض يطهوه مع الأرز . الطير الأكحل أردفت عقيلة موسى بأن سيدات الجزيرة مازلن يؤدين العروض المعروفة احتفالاً وابتهاجا ببداية صيده، وينشدن فيها العديد من الأشعار التي أصبح يرددها الصغار قبيل الكبار حيث يبدأن بزف التهنئة لمن تصيد الطير الأكحل حيث يعتبر زعيم الجراجيح ويخبرن البقية أن إحداهن نجحت في صيده، وعندئذ يتجمع الناس حوله ينقرون دفوفهم وطبولهم ويرددون الأهازيج معلنين بداية موسم الصيد.