عندما نستمع إلى كلمات خادم الحرمين الشريفين الموجهة للشعب أو للمسؤولين ندرك بأن علاقة الحب الأصيلة التي تجمع الملك عبدالله بن عبدالعزيز وشعبه، لم تأت من فراغ أو بمحض الصدفة، بل تأسست على أشد قيم التماسك النابعة من طبيعة العلاقة العفوية والصادقة، فضلا عن إنسانية وفراسة الملك العادل الذي شغل المواطن كل تفكيره ليضعه في أولويات اهتماماته، حتى وهو يعيش أصعب اللحظات، ولعل كلمته الخالدة «دامكم بخير.. أنا بخير» تعد المعيار الحقيقي لقياس أبعاد تلك الروابط الإنسانية المميزة، التي تتضح جليا في قوله يحفظه الله: «أيها الإخوة المواطنون أبنائي وبناتي أبناء هذا الوطن: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تعجز الكلمات أن تعبر عما في نفسي من مشاعر تجاهكم ومؤازرتكم لي خلال الفترة الماضية، والتي استقيت العون فيها من الله جل جلاله توكلا وعزما وصبرا، على ما قدره الله، ثم بدعائكم ومحبتكم التي أخذت مكان الصدارة في قلبي، فتجاوزت ولله الحمد بفضله ومنته الكثير من الصعاب، فكنتم لي العون بعد الله تبارك وتعالى». الرابط الوجداني إن المتتبع لكلمات وخطب الملك عبدالله يدرك أن علاقته بشعبه علاقة أبوية لها إرثان شرعي واجتماعي عميقان، يتجليان في طريقة الخطاب ونوعية الكلمات التي تحمل دلالة عميقة تجسد قوة الرابط الوجداني بين الطرفين، ومنها عندما يردد يحفظه الله بتواضعه الجم: «أخواني وأخواتي.. أبنائي وبناتي شعب المملكة الأبي» بل إن تلك الخطابات عادة ما تقترن بالتأكيد على مصلحة المواطن وتبديد همومه، ويتضح ذلك في العديد من الكلمات ومنها خطابه الشهير الذي وجهه للمواطنين والمواطنات بعد صدور قرار تخفيض سعر البنزين والديزل: «أيها الأخوة والأخوات الكرام ليعلم كل مواطن كريم على أرض هذا الوطن الغالي بأنني حملت أمانتي التاريخية تجاهكم واضعا نصب عيني همومكم وتطلعاتكم وآمالكم فعزمت متوكلا على الله في كل أمر فيه مصلحة ديني ثم وطني وأهلي. مجتهدا في كل ما من شأنه خدمتكم. فإن أصبت فمن الله وتوفيقه وسداده وإن أخطأت فمن نفسي، وشفيعي أمام الخالق جل جلاله ثم أمامكم اجتهاد المحب لأهله الحريص عليهم أكثر من حرصه على نفسه». أحلك الظروف وفي أحلك الظروف، لا يبتعد المواطن عن ذاكرة الملك ولا تبرح همومه فكر هذا القائد الإنسان الذي يسعى في كل حالاته إلى تحسين وضع المواطن وتأمين الحياة الكريمة له، ونلمس ذلك من سؤاله عن المواطن وهو على السرير الأبيض وفي العديد من الكلمات التي وجهها للشعب وهو يمر بظروف صحية غير جيدة كقوله: «إخواني وأبنائي: أشكركم، وأتمنى لكم التوفيق، وأشكر كل واحد منكم رأيته وسلمت عليه، ولكن مع الأسف إنني لم أتمكن من أن أقف»، عندما نتأمل اعتذاره في هذه الكلمة للمواطنين عن الوقوف للسلام عليهم رغم معرفتهم وتقديرهم لظروفه الصحية، ندرك مدى تقديره واحترامه للإنسان السعودي، ونؤمن بأن هذا الملك الصالح لا يعفي نفسه من مسؤولياته تجاه المواطنين مهما كانت الظروف ومهما كانت أوضاعه الصحية، وهذا يؤكد أن المواطن هو الشغل الشاغل لخادم الحرمين الشريفين، يقول حفظه الله ذات لقاء جمعه مع الأمراء والوزراء وكبار المسؤولين وقادة وضباط الحرس الملكي، وجموعا من المواطنين من أهالي منطقة مكةالمكرمة ومنطقة المدينةالمنورة: «إخواني، أرجوكم هذه تحياتي لشعب المملكة، شعب الوفاء وشعب الخير، شعب المقدرة شعب الأخلاق ولله الحمد. وأنا ما أنا إلا خادم لكم، أنا ما أنا إلا أقل من خادم لكم، صدقوني أنني لا أنام إلا ولله الحمد سائلا عن كل المناطق ما هي الحوادث فيها، وش اللي ما صار وش اللي صار. ولله الحمد هذا ما هو كرم مني. هذا وفاء وإخلاص لكم، وحبكم لي لن أنساه، ولن أنساه مادمت حيا، أشكركم وأتمنى لكم التوفيق وأتمنى أن تعينوني على نفسي، وشكرا لكم». كيمياء الحب في كل عبارة من كلمة خادم الحرمين الشريفين السابقة عنوان يحمل الكثير من الأبعاد والدروس التي يقدمها الملك الإنسان لأبنائه المواطنين، ولا شك بأن كل عبارة كفيلة بأن تجعل عبدالله بن عبدالعزيز يسكن قلب كل مواطن ويحظى بمحبته ودعائه، فعندما يقول الملك للمسؤولين والمواطنين في بداية كلمته «أرجوكم» فإن هذه الكلمة بما فيها من لطف ورجاء تحمل العديد من الدلالات الإنسانية التي تجسد شخصية الملك عبدالله بكل ما فيها من تواضع، كما أن وصفه للمواطنين ب«شعب الوفاء» يكرس تلك الحقيقة لهذا الشعب الذي التف حول القيادة في أحلك الظروف التي مرت بها المنطقة، ولم يأبه بمحاولات العابثين الذين يسعون لزعزعة الأمن والاستقرار، بل كانت «ثورة الحب» التي رفع من خلالها المواطن السعودي صور الملك عبدالله مصحوبة بأصدق عبارات المحبة في مسيرات للفرح والسرور، هي أكبر دليل على كيمياء الحب الخاصة التي تربط ملك القلوب بشعب المحبة والوفاء، كما أن تلك الصورة الناصعة لتواضع ووفاء الملك تتجلى في قوله: «أنا ما أنا إلا خادم لكم» كم هي عظيمة تلك الكلمات التي تأتي من قائد يقتدي بالرسول الكريم الذي يقول: «سيد القوم خادمهم، وساقيهم آخرهم شربا». إن اهتمام الملك بأحوال المواطن يبرز في كل تصرفاته، ويؤكد ذلك من خلال قوله: «صدقوني أنني لا أنام إلا ولله الحمد سائلا عن كل المناطق ما هي الحوادث فيها، وش اللي ما صار وش اللي صار»، هذه العبارة التي تجسد حرص هذا القائد على كل صغيرة وكبيرة تخص المواطن في كافة المناطق، تشعرنا كمواطنين بالفخر والاعتزاز تجاه هذا القائد الفذ، الذي ينفض النعاس ليسكن المواطن بديلا عنه في عينه ووجدانه وفكره. المواطن والمسؤول ويبرز اهتمام الملك بالمواطن، في كل لقاء يجمعه بالمسؤولين، حيث يؤكد عليهم يحفظه الله بأن يكون المواطن في أولويات اهتمامهم، وألا يغلقوا الأبواب في وجهه، ومازال الجميع يتذكرون كلمته الخالدة للوزراء والمسؤولين بعد إقرار ميزانية الدولة، إذ قال: «من هذا المنبر أقول لكل الوزراء ومسؤولي الجهات الحكومية كافة: لقد اعتمدت الدولة مشاريعها الجبارة ولم تتوان في رصد المليارات لتحقيق رفاهية المواطن، والآن يحتم عليكم دوركم من المسؤولية والأمانة تجاه دينكم وإخوتكم شعب هذا الوطن الأبي أن لا يتخاذل أحدكم عن الإسراع في تحقيق ما اعتمد، ولن نقبل إطلاقا أن يكون هناك تهاون من أحدكم بأي حال من الأحوال، ولن نقبل الأعذار مهاما كانت». إن هذه اللغة الحازمة تؤكد حرص الملك العادل على وجوب اهتمام المسؤولين بالمواطنين، بعد أن وفرت الدولة في عهده كل ما من شأنه تحقيق رفاهية الموطن في كافة المجالات التعليمية والصحية والصناعية والتجارية والاجتماعية والتنموية. ويتجلى هذا الحرص على الشعب في لقاء الملك مؤخرا بالنائب الثاني الأمير مقرن بن عبدالعزيز وأميري المنطقتين الشرقيةوالمدينةالمنورة سعود بن نايف، وفيصل بن سلمان بمناسبة تعيينهم في مناصبهم، حيث قال لدى تشرفهم بأداء القسم أمامه في قصره بالرياض: «نبارك لكم ونحرصكم وأنتم لا تحتاجون إلى تحريص لخدمة الدين والوطن والشعب، والشعب تراهم أهم شيء عندنا، شعبكم خلوه راضي عنكم بالعدل والإنصاف والحق». الداخل والخارج وفي محطة أخرى تعكس حرص الملك على المواطن، وتؤكد أن ذلك الاهتمام لا يقتصر على الداخل، بل يمتد إلى حيث تواجد المواطن السعودي في كافة دول العالم، يقول الملك مخاطبا سفراء المملكة «أرجو أن تكونوا رسل خير لوطنكم، وكذلك أرجو منكم أن تستعملوا مع شعبكم الذي أنتم منه الرقة وفتح باب السفارة لا إغلاق السفارة.. السفارة ما وجدت إلا للشعب السعودي وخدمة الشعب السعودي. أي فرد يأتيكم مهما كان مهما كان اعرفوا أنه من الشعب السعودي وأنا من الشعب السعودي وهو ابني وأخي لا تقولوا هذا ما له قيمة، إياي وإياكم، قدروهم واحترموهم لتحترمنا الشعوب.. أنا أسمع ولا أتهم إن شاء الله أن بعض السفارات تغلق أبوابها وهذا ما يجوز أبدا أبدا. لازم تفتحون أبوابكم وصدوركم، وتوسعون أخلاقكم للشعب السعودي». وفي هذه الكلمة يتكرر الرجاء، لكنه هذه المرة مقترنا بالحزم والتحذير، وكأن تلك الكلمة تجسد شخصية الملك عبدالله التي تجمع بين التواضع واللطف وبين الحزم والهيبة والشموخ، وهي معادلة فريدة تميز بها الملك عبدالله بين القادة العرب وأصبحت علامة بارزة منحته التقدير والاحترام في عيون شعبه وكذلك الشعوب العربية الأخرى. وفي كلمة مماثلة، يوصي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في لقائه سفراء المملكة لدى بلجيكا وتونس وإيطاليا بعدم إهمال الشعب السعودي، والعمل على خدمته قائلا: «بارك الله فيكم وأوصيكم بتقوى الله أول شيء وقبل كل شيء، وثانيا خدمة دينكم ووطنكم، وثالثا الشعب السعودي لا تهملونه، ولا تقولوا نحن سفراء الآن، وما يهمنا شيء، فكلنا خدام للشعب السعودي، ولا بد أن تفهموا هذا وكل إنسان ما يعمل بهذا العمل يعتبر نفسه غير سعودي، ولكن إن شاء الله فيكم خير وآباؤكم وأجدادكم كلكم ماشين على ما هم ماشين عليه». الأبوة والحرص ولم يتوقف اهتمام الملك بالمواطن في الخارج على دعوته للسفراء الاهتمام بهم، بل امتد إلى خطاب مباشر وشفاف مع هؤلاء المواطنين، وكانت تلك الخطابات والكلمات تحمل روح الأبوة الصادقة، ففي لقاء جمع الملك في مقر إقامته في مدينة تورنتو الكندية بالملحق الثقافي السعودي في كندا ومجموعة من الطلاب والطالبات المبتعثين للدراسة هناك قال الملك بروح الأب الحريص على مصلحة أبنائه: «أبنائي وبناتي المبتعثين في كل مكان من هذا العالم لا شك بأنكم تدركون بأن الأمم لا تعلو إلا بسواعد أبنائها، وتعلمون بأن العلم هو المدخل الواسع والأداة الفاعلة في مسيرة التنمية، لذلك فإن المسؤولية الملقاة على عاتق كل مبتعث ومبتعثة تحتم عليه أن يسعى بعزم لا يعرف الكلل ولا الملل لتحصيل العلم، فأنتم بعد الله جل جلاله عتاد الغد لمستقبل لا نقبل فيه بغير الصدارة لوطن أعطانا الكثير وينتظر منا جميعا ثمرة ذلك العطاء لرفعة شأنه بين الأمم. أبنائي وبناتي الأعزاء: إنكم سفراء الوطن، تمثلونه بأخلاقكم وقيمكم التي نستمدها جميعا من ديننا، لذلك أوصيكم بأن تكونوا على قدر المسؤولية سلوكا وتعاملا، ولا يساورني أدنى شك إن شاء الله بأنكم تدركون ذلك، وأنكم خير من يمثل وطنه وأهله، وأسأل الله لكم التوفيق والسداد والنجاح في مسعاكم النبيل». ويتضح من تلك الكلمات أن الملك إضافة إلى حرصه ومتابعته وتشجيعه على العلم والتعليم، لم يغفل التوجيه والتأكيد على هؤلاء المبتعثين، لافتا إلى اهتمامه بأهل العلم الذي يرى حفظه الله بأنهم «المدخل الواسع والأداة الفاعلة في مسيرة التنمية». من القلب إلى القلب كما أن كلمات الملك عبدالله التي عادة ما تجسد اهتمامه بالشعب، تأتي من القلب إلى القلب، وهذه ميزة فريدة لا يجيدها الكثير من القادة والمسؤولين، وإذا أردنا أن نلمس تلك الصورة بشكل جلي، فعلينا أن نستمع للملك الإنسان وهو يخاطب المشاركين والمشاركات في أحد لقاءات الحوار الفكري عندما قال: «إخواني.. أنا ما أحب أطيل عليكم، أنا والله لست بخطيب لكن من الأخ لإخوانه من القلب إلى القلب، الحمد لله رب العالمين، وطنكم مثل ما أنتم شايفينه، ولله الحمد يعني الأمور إن شاء الله هادئة فيه ومستقرة ولكن ما فيه شك أنا لست مقتنع إلى الآن، في رأسي أكثر من الذي صار وإن شاء الله إنه سيتحقق بجهودكم معي، جهود الشعب السعودي معي، لأني أنا بدونكم لا شيء، بدون الشعب السعودي أنا لا شيء، أنا فرد منكم وإليكم، وأستعين بالله ثم بكم، وبالرجال المخلصين من أبناء الشعب السعودي ومن إخواننا العرب ومن إخواننا المسلمين».