لم ينصف التاريخ أهالي الأبواء، الأرض التي شهدت غزوة ودان أو بدر الصغرى، أولى غزوات الرسول محمد عليه السلام، ودفنت فيها أمه آمنة بنت وهب، وضاع فيها عقد حبيبته أم المؤمنين عائشة، المبرأة من فوق سبع سماوات ليكون لهم مكان في المخطط الإقليمي لمنطقة مكةالمكرمة، ولم تنصفهم جغرافيا موقعهم في المنتصف بين مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة لتصل إليهم الخدمات. زرتهم قبل عشرة أعوام وعدت إليهم الآن، فإذا بالحال هو الحال.. فالتنمية تأتيهم فتاتا، وكل شيء بعناء وتعب عدا الوجوه الطيبة القانعة لسكانها الذين يصبرون على الضراء ويحمدون على السراء.. الطريق الموصل من مفترق الخط السريع إلى قريتهم، 21 كيلو مترا، أنشئ على حساب المواطنين واقتطعت أمواله من معاشات التقاعد والضمان الاجتماعي لغالبية السكان، وأصبح يسمى طريق الموت، مع أنه ما زال في ريعان الشباب ولم يتجاوز 16 ربيعا، إلا أنه يعاني من التشققات والهبوطات والنتوءات والحفر الوعائية، وما زالت إدارةالنقل بمنطقة مكةالمكرمة لا توليه عنايتها التامة وتتباطأ في إعادة تأهيله وتتجاهل خدماته التي لم تعد حصرية على الأبواء، بل تجاوزتها ليصبح جزءا لا يتجزأ من الطريق الواصل بين السريعين جدة ينبع، مكةالمكرمةالمدينةالمنورة، وما زال هذا الغول يحصد الأرواح، 6 وفيات خلال شهرين، وتغيب عنه أعين الجوازات فأصبح ملجأ للمتخلفين ونقطة هروب لسائقي الشاحنات من الوزن الزائد. ومما يزيد الطين بلة، كما يقول المهندس وليد النعماني، «تجاهل إنشاء نقطة للهلال الأحمر في هذا المفترق الصعب والذي يصل في أفضل الأحوال خلال 20 دقيقة، وإن تأخر فإننا نضع المصابين في بطانيات وننقلهم في سياراتنا الخاصة إلى مستشفى رابغ، والسبب اعتماد المسؤولين على وجود نقطة في مركز مستورة الذي يبعد 20 كيلو مترا، والتي تغطي بالكاد مستورة ومسافة 80 كلم شرقا منها، ولا تكن متفائلا بإسعافات المراكز الصحية فهي مكبلة نظاما بعدم نقل مرضى الحوادث وتقتصر مهامها في نقل المرضى فقط من المراكز إلى المستشفيات دون أي اعتبار بحجم الحوادث والارتباط القاتل للطريق بالسريعين». وكما يقول الشاعر العربي، من لم يمت بالسيف مات بغيره.. فإن من لم يمت بالحوادث المرورية فعليه أن ينتظر الموت أو المرض بأدخنة مرمى النفايات الذي يبعد 4 كيلو مترات في الجهة الشمالية الغربية، حيث تهب الرياح السائدة على السكان والذي هرب إليه شباب المركز ليكون ملعبا ومتنفسا لهم، ففاجأتهم البلدية بتحويله إلى مرمى نفايات بل وأشركت مستورة فيها، وحيث إن الحرق ممنوع ولا يسمح إلا بالردم الصحي تحت طبقات الأرض ظاهرا، إلا أن العمال يحرقون دون ضوابط.. يقول عبيد السيد مدير مركز التنمية الاجتماعية «ذهبنا لوكيل الوزارة وجاءت لجنة من بلدية رابغ وتم تحديد موقع جديد يخدم رابغ مستقبلا بمشاركة الدفاع المدني والأمانة ورجال من المركز، وتمت الموافقة عليه واعترض عليه بعض المواطنين بسبب المياه الجوفية، فطلبنا تسوير المردم فرفض رئيس البلدية السابق بحجة عدم وجود ميزانية فظلت المحرقة موجودة وتحول المردم إلى مقبرة للماشية والأغنام التي تسقط فيه بلا عودة». وفي الوقت الذي تخطط فيه الدولة لتخفيف الضغط على المدن بتنمية القرى والهجر والمراكز إلا أن الخدمات ما زالت تأتي على ظهر سلحفاة ويعاني من حبوها وتأخرها سكان 23 حيا وأبناؤهم المهاجرون عكسيا بالعودة إلى ديارهم ومرابعهم، خصوصا بعد إنشاء فرع للجامعة في رابغ، فلا يوجد على الأرض مخطط مستقبلي للشوارع والخدمات، فذابت طلبات البناء الجديدة بين المحكمة والبلدية لعدم وجود صكوك شرعية لأراضيهم، في انتظار أن تفتح الأبواب المقفلة لاستخراجها من محكمة رابغ والموقفة منذ سنوات، أما المياه التي يشربها جيرانهم من سكان المراكز التابعة لمنطقة المدينةالمنورة صفوا فإن سكان الأبواء يشربونها كدرا وطينا عن طريق الصهاريج والآبار الذاتية، ومما يوحي لك بسواد الصورة وقتامتها رؤية المبنى البلدي الجديد متوقفا عن العمل منذ 3 أعوام رغم جاهزيته الظاهرة للعيان بسبب المقاول.ولأن بعض مسؤولينا يستعذب بحديث معاناة المواطنين رغم الطفرة التاريخية التي تعيشها بلادنا فلا تستغرب أن يحرم 7000 مواطن من جهاز صراف آلي لعدم وجود مركز شرطة يتكفل بحمايته على ضوء شروط مؤسسة النقد، ومن ثم فلا مانع أن يسافر أكثر من 800 رجل وامرأة من كبار السن مع بقية السكان ليصرفوا مستحقاتهم من مدينة رابغ، خصوصا أن الصراف المجاور لهم في مركز مستورة متعطل في كثير من الأحيان وكان بالإمكان حل المشكلة بوضع الصراف في مكتب رئيس المركز الذي تتوفر فيه الحماية تخفيفا على الناس. ولست مبالغا أو متجنيا على أحد، فالخدمات البلدية تشكل جزءا كبيرا من مشاكل مراكز محافظة رابغ، ولا أدري أين جهود وكيل أمين مدينة جدة لشؤون المحافظات في هذا الجانب تحديدا، وهل من إجابة تشفي غليل الناس حول هذا البطء والتكاسل الذي تشهده مشاريع خدمية أساسية للمواطن، ولعلني أشير إلى قيام البلدية بتخطيط الشارع العام بمركز الأبواء لكي لا تحدث عليه تعديات وتجاهلها تخطيط الأحياء وسفلتة شوارعها الداخلية فغابت بالتالي إنارة الشوارع، أما المنح التي يمكن أن توفر للشباب فرصة الاستقرار في ظل وجود مساحات شاسعة وكبيرة فظلت علامة استفهام فالقرار تتحكم فيه وزارة الزراعة بحكم طبيعة المنطقة الزراعية وكان لها الفضل في إيقاف أكثر من مخطط للمنح في قرى ومراكز المحافظة، أما تعويضات السيول فلم تصرف منذ سنتين ولحقت بها تعويضات سيول العام المنصرم ل 24 مواطنا من المتضررين، والتي مضى عليها حتى الآن أكثر من عام، ولم يستلم سكان الأبواء تعويضاتهم وكأن معاملاتهم ذهبت أدراج الرياح وعلينا أن نسكت عن السؤال المباح. والحقيقة التي تفرض نفسها أن الناس قد اعتادوا أن يعالجوا مشاكلهم بأنفسهم وأن يتكيفوا مع نقص الخدمات، فالأهالي يرسلون أبناءهم تحفهم الدعوات والصلوات للعودة سالمين لمدرسة ابن القيم المتوسطة أقدم مدارس المركز والتي تقع في مجرى الوادي وداهمتها السيول الأخيرة فأغرقت نصف مبناها من باب مكرها أخاك لا بطل، وهي المدرسة التي يعتبر السكان عمرها الافتراضي منتهيا منذ سنوات ولم يقف عليها مسؤول من وزارة التربية، أما الذين عجزوا عن إيجاد بدائل سكنية لهم في ظل ضيق ذات اليد فصنعوا بجهد تعاوني مصدات خرسانية لمنازلهم. ولن أزيد.. فالأرض التي وطئتها أقدام النبي الكريم ثماني مرات الأولى مع والدته، والثانية مع عمه أبي طالب وعمره 12 عاما، والثالثة عندما خرج لتجارة السيدة خديجة، والرابعة في غزوة الأبواء، والخامسة في غزوة الحديبية، والسادسة في عمرة القضاء، والسابعة عام الفتح، والثامنة في حجة الوداع، هذه الأرض التي قال فيها كانت قرية عامرة وعيون جارية وأشجار باسقة منذ القرن الأول الهجري واستوحى من جمالها ابن الدمينة قصيدته في زوجته أم عمرو الودانية، التي تعتبر من عيون الشعر الفصيح: ألا هل من البينِ المفرقِ من بد وهل لليال قد تسلفن من رد وهل مثل أيام بنعف سويقة رواجع أيام كما كن بالسعد وهل أخواك اليوم إن قلت عرجا على الأثلِ من ودان والمشربِ البرد هذه الأرض لم يعد شاعرها اليوم يناجي بلغة الغزل بعد أن حاصرته ظروف الحياة فخرج شعره مرارة ليقول : بربكم.. ألا يستحق أهل الأبواء وساكنوها حياة أفضل وأكثر كرامة مما هي عليه الآن.