رغم النقلة التي احدثها برنامج نطاقات في أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل، إلا أن نجاح البرنامج سيظل رهينا بالعديد من التحديات التي تهيمن على سوق العمل، ومن ابرزها اقرار الحد الادنى للاجور وزيادة الطلب على العمالة الوطنية وتصحيح وضعها في السوق لتصبح اكثر قدرة على المنافسة، فضلا عن تعزيز الرقابة الفعالة على منشآت القطاع الخاص والحد من الاستقدام في المهن التي من الممكن أن يشغلها سعوديون، يطالب البعض بضرورة سد الثغرات التي يعاني منها سوق العمل خاصة في الجوانب المهنية، لكن آخرون يرون ضرورة التركيز على المهن التي يوجد بها وفرة من السعوديين حتى يحقق البرنامج اهدافه ويعمل على تجفيف السوق من العمالة السائبة والقضاء على هوامير التأشيرات الذين اضروا بالاقتصاد الوطني. أحمد البغدادي رئيس مجلس إدارة إحدى شركات المقاولات يقول إن قطاع المقاولات عانى كثيرا بسبب نسبة السعودة المطلوبة التي تصل إلى 30 % في النطاق الممتاز وذلك لقلة الكفاءات الوطنية في مجال العمل المهني على الرغم من ضخ الدولة مليارات الريالات سنويا في قطاع التعليم الفني وتساءل البغدادي عن حجم وقدرات الخريجين السعوديين من اقسام العمارة والسباكة والنجارة وحاجة المصانع والشركات لهم، مؤكدا ان التحدى الاهم في هذا الجانب هو ثقافة العيب حيث لايزال غالبية الشباب يتحرجون من العمل بهذه المهن رغم مردودها المالي المرتفع مقارنة بالعمل المكتبي والذي لايزيد عن 3 آلاف ريال. من مكان لمكان يضيف البغدادي على الرغم من الشكاوى المتكررة لقطاع المقاولات من رفع نسبة التوطين المطلوبة والتي لايمكن تغطيتها بالوظائف الإدارية فقط، إلا أن وزارة العمل فشلت في التوصل إلى حلول مقنعة مع المقاولين ولذلك ازداد الاقبال بصورة كبيرة على العمالة السائبة في الشوارع وارتفعت التكلفة والأسعار على المستهلك النهائي، ولفت البغدادي إلى أن العمل في مجال المقاولات يعد من الصعوبة بمكان بالنسبة للسعوديين لاسيما أنه يقوم على التنقل وراء المشاريع من مدينة الى اخرى ، فضلا عن ان هذه الاعمال شاقة . وطالب وزارة العمل بضرورة الاستماع إلى الجهات المعنية في القطاع الخاص، مشيرا إلى أنه كان من المناسب التركيز على المهن التي من الممكن ان تسجل اقبالا كبيرا من جهة الشباب حتى تتحق الفائدة المرجوة. خلل تراكمي اتفق مع الرأى السابق، الاقتصادي الدكتور عبدالله الشدادي، وذكر أن سوق العمل في المملكة يعاني من خلل تراكمي واضح نتج عن الاعتماد على العمالة الوافدة بصورة كبيرة طوال السنوات الماضية مشيرا إلى ضرورة اعادة النظر في واقع الاستقدام حاليا حتى لايؤثر على التركيبة السكانية في ظل عمالة وافدة تمثل حاليا أكثر من 33 % من السكان وأضاف إلى أنه كان من الممكن الترحيب بهذه العمالة بصورة أكبر لو كانت هناك قيمة حقيقية اقتصادية مضافة تحققها للاقتصاد الوطني، مضيفا أن الحملات الاخيرة للجان السعودة والتي أدت إلى اغلاق الكثير من المنشآت كشفت عن اعتماد غالبية شركات القطاع الخاص على عمالة مخالفة غير نظامية. وتوقع الشدادي حدوث ازمة في عمل الكثير من المنشآت لو استمرت الحملات لفترة طويلة مشيدا في ذات السياق بقرار مجلس الوزراء بعدم السماح بعمل العمال لدى غير كفلائهم، وتوقع وجود مخالفات في 80 % من المنشآت على أقل تقدير داعيا إلى ضرورة العمل على تصحيحها وفق الاطر المعمول بها، وتناول الشدادي أهمية رفع رسوم الاستقدام من الخارج حتى يشعر المستثمر بأن الأمر بات مكلفا مقارنة بالاستعانة بالعمالة الوطنية مؤكدا على ضرورة اعتبار العمالة أحد عوامل التكلفة الاساسية وليست العامل الاساسي وراء رفع الأسعار . جدية وزارة العمل رجل الأعمال غازي بن عبدالله أبار من جهته طالب وزارة العمل بضرورة الجدية في تطبيق قراراتها لتصحيح واقع سوق العمل بعد فترة طويلة تم التساهل خلالها مع القطاع الخاص. مبينا أن القطاع الخاص لايستجيب إلى تحسين اوضاع العمالة الا تحت ضغوط ملحة واستشهد في هذا السياق بقرار رفع رواتب معلمي المدارس الاهلية إلى 5000 ريال مع 600 ريال بدل نقل مشيرا إلى أن القرار واجه معارضة شديدة من القطاع الخاص عندما تم منحه مهلة لتصحيح الوضع ولولا الاصرار على التطبيق وتدخل التأمينات الاجتماعية بحسم لما رأى القرار النور وظل المعلم السعودي يدور في فلك 2500 ريال فقط. منع التلاعب يضيف أبار أحسنت وزارة العمل صنعا عندما قررت رفع رسوم العمالة الوافدة مؤكدا ان الفعالية في التطبيق مطلوبة وان كان الاكثر فائدة منها ان يتم حسن التصرف في الايرادات المتوقعة من رفع الرسوم والتي تقدر بحوالى 16 مليار ريال سنويا. وطالب بضرورة الاعلان بشكل شهري عن نتائج تطبيق برنامج نطاقات من خلال رصد اعداد المواطنين الذين دخلوا سوق العمل وكذلك عدد التأشيرات الصادرة للعمالة الوافدة . ويرى ابار ان ربط تطبيق القرارات الخاصة بالتوطين بمؤسسة التأمينات الاجتماعية يقلل من التلاعب دون ان يحسم الحد الادنى من الرواتب اذ لايزال القطاع الخاص يوظف البعض برواتب هزيلة لاتتجاوز 1500 ريال فقط من اجل الوصول إلى النسبة المطلوبة في البرنامج . مسؤولية المواطن رجل الاعمال خالد المبيض حمل المواطن جزء كبير من المسؤولية عن تردي اوضاع السعودة في القطاع الخاص وفي هذا السياق تطرق إلى اصرار الكثيرين على المتاجرة في التأشيرات وتقديم كل دعم ممكن للمتسللين عبر الحدود وتوفير السكن لهم واعانتهم في تنقلهم بين المدن المختلفة، ولفت إلى أن التساهل في فرض العقوبات على مهربي العمالة فاقم من مشاكل التسلل بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة الامر الذي سيزيد من الاعباء على الجهات الامنية وأشار إلى ان برنامج نطاقات لا يطالب الشركات المتهربة بالمستحيل حيث ان الدخول إلى النطاق الاخضر لايستهدف سوى سعودة 10 في المائة من الوظائف كحد ادنى وهي نسبة مقبولة إلى حد بعيد، لكن الكثيرين دأبوا على الشكوى وطلب الدعم فقط . ورأى المبيض ان توظيف الشباب يجب ان يكون مسؤولية جماعية تضامنية بين القطاعين العام والخاص، مشيرا الى اهمية تعزيز الثقافة السلوكية الصحيحة في نفوس المواطنين والتأكيد على العمل كقيمة وعدم التلاعب من اجل الاستقدام بأعداد تزيد عن حاجتهم بكثير . وطالب المبيض بوضع حوافز متنوعة للمؤسسات الملتزمة بالتوطين واقعا وليس تصريحات في وسائل الاعلام، مشيرا الى اهمية ان تنبع المبادرة من جانب الشركات باستقطاب الكوادر الشابة من اجل تدريبها بشكل صحيح وليس من اجل مقابل مادي او أضواء اعلامية فقط وأعاد إلى الذاكرة المشاعر الوطنية الجياشة إبان حرب الخليج عندما تدافع المواطنون للتطوع. معادلة رديئة في المقابل استمعت «عكاظ» الى اراء عدد من الشباب الذين كانت لهم تجارب في سوق العمل مؤخرا ، وفي هذا الاطار اتفق احمد العبدالله وعلي الزهراني واحمد الغامدي على صعوبة احداث تطور جذري في توظيف السعوديين في القطاع الخاص مالم نتجرع بعض الالم لبعض الوقت نتيجة الكثير من الممارسات السلبية لسنوات طويلة من مختلف الاطراف واشاروا إلى أن القطاع الخاص لايهمه سوى تعزيز ارباحه فقط وزادوا بالقول ان القطاع الخاص يعتبر السعودة عبء كبير عليه ، فيما لاتؤمن سوى قلة قليلة بالكفاءات الوطنية وتفسح لها المجال واضافوا ان ابرز التحديات التي واجهتهم في العمل هي الظروف السلبية في بيئة العمل والمنافسة غير المتكافئة من العمالة الوافدة مما يؤثر على فرصهم في الترقي الوظيفي المطلوب، فضلا عن التشكيك المستمر في قدراتهم وعدم منحهم الفرص الكافية من أجل اثبات الوجود. وقال الشبان ان معادلة القطاع الخاص لايمكن ان تحقق سعودة حقيقية مع دوام طويل ورواتب ضعيفة لاتسمن ولاتغني من جوع. وأشاروا إلى ان احداث تغيير في هذا الجانب يستلزم دراسة التجارب الاجنبية التي تبدأ العمل مبكرا وتنتهى مبكرا تاركة للعامل فرصة للراحة مع الاسرة او القيام بأعباء الواجبات الاجتماعية المختلفة.