على أطراف مشرب وادي القاحة حيث تلتقي حدود منطقة مكةالمكرمة مع المدينةالمنورة، تتناثر حياة رجل تسعيني لم يعرف غير الفقر صاحبا، ولم يحلم بأكثر من الكفاف أنيسا .. أبو حميدان ورقة خريف ما زالت صامدة في وجه الزمن وشهادة إدانة لمجتمع الطفرة. يتطاول كبرياء هذا الرجل المسن أعلى من قمم الجبال المحيطة به من كل جانب .. طارده الفقر منذ عقود لكنه عجز عن كسر همته وإخفاء نقاوة قلبه وابتسامته .. ينام منذ سنوات في الخلاء بدءا ببيت الشعر وانتهاء بسقيفة من القش، يحمل همه وهم زوجتيه، وأبناءه التسعة وبناته الخمس .. لا يخاف إلا الله واعتاد النوم وهو يرى الأفاعي والعقارب تمر من كل اتجاه .. يتطلع بأمل لعل شكواه تصل إلى سمع مسؤول أو فاعل خير ليكرم شيبته وضعفه وعوزه ببيت يستر أسرته. ويتحدث بأسى قائلا: «زارني موظفو الشؤون الاجتماعية واطلعوا على حالي وقرروا لي 1300 ريال كراتب شهري»، ثم يضحك متهكما: «أحيانا يصرفونها 1000 ريال فقط وأحيانا 1300»، سألته متعجبا: «هل تكفيك وتغطي نفقات زوجتيك»، ففاجأني برفع أصبعه إلى السماء قائلا: «الله يكفيني ويعينني». تداخل الابن حميد (يعمل حارس أمن في رابغ على وظيفة مؤقتة براتب ريال 1200 وينتظر التثبيت) وهو يحمل القهوة لضيافتي: «كل إخواني واخواتي لم يكملوا الشهادة الابتدائية ولا يستطيع أي واحد منا أن يبني للوالد بيتا وقد زارتنا بعض الصحف ووعدت بالكتابة عن الموضوع ولم نر شيئا». أبو حميدان ترك إحدى زوجتيه مع أبنائها وتكفل بالأخرى وأسكنها في خيمة من الشعر بجانبه لسترها، العجيب في هذا الرجل احتفاظه ببعض الغنيمات من أجل إكرام ضيوفه، يصلي بالفاتحة ويحفظ سور المعوذات فقط، كلما سمع بمجيء السيل هرب وزوجته إلى رأس الجبل ويعود إذا جفت الأرض، ما يزال بصحته وذاكرته وعافيته، لا يعرف ضغطا ولا سكرا. ويردد بسعادة: «أنا بخير يوم أشوف غيري من الناس». سألت مرافقي: كم يكلف إنشاء بيت لهذا المسكين ؟ فقال: أقل من 100 ألف ريال فقط. قبل أن نغادر ناشدني بعدم كتابة اسم قبيلته لكي لا يحرجهم.