اتفق عدد من المشاركين في مهرجان الجنادرية لهذا العام على ثراء وتنوع البرنامج الثقافي، مشيدين بتداخل المحاور السياسية والاقتصادية والثقافية. المشاركون في ندوة «عكاظ» التي عقدت البارحة الأولى في بهو فندق الماريوت وناقشت محور «برنامج الجنادرية الثقافي.. ما له وما عليه»، أكدوا على أهمية المحاور التي تمت مناقشتها في ندوات المهرجان لهذا العام، لافتين إلى أن طرح العديد من المحاور الجريئة ومنها «حركات الإسلام السياسي»، «حركة التنوير في الوطن العربي» و«الفساد المالي والإداري»، تعد من العلامات المميزة لجنادرية 28. واقترح المشاركون في ندوة «عكاظ» تقليص عدد المشاركين في كل ندوة إلى اثنين بدلا من أربعة لمنحهم المزيد من الوقت، مشيرين إلى أن وجود أربعة مشاركين يتطلب طرح المشارك لورقته في عشر دقائق فقط وهذا لا يكفي، وتمنى المشاركون من اللجنة العليا للمهرجان تزويد حضور الندوات بأوراق العمل التي تطرح في الندوات ليتسنى لهم مناقشة المشاركين بعمق، كما طالب آخرون بطباعة تلك الأوراق في كتب لتصل الفائدة إلى أكبر شريحة من القراء. وإليكم تفاصيل الندوة. في بداية الندوة، تحدث المفكر العراقي الدكتور حسن شعبان عن الجنادرية وبرنامجها الثقافي قائلا إنه عايش مهرجان الجنادرية منذ عقد ونصف، وأشار إلى أن الندوات والمحاضرات التي تقام خلال المهرجان والموضوعات التي تطرح تقدم إضاءات مهمة يمكن لها أن تسهم في إيجاد حالة من التفاعل فيما بين الجمهور الذي يتابع ما يقدمه هؤلاء المثقفون والمفكرون طيلة أيام المهرجان، متمنيا أن تتحول أوراق العمل المقدمة في ندوات المهرجان إلى كتب يستطيع كل محب للثقافة أن يطلع عليها. وفي سياق متصل، قال الكاتب والشاعر الأردني يوسف عبدالعزيز: «نحن كشعراء لم نطلع بشكل واف على أنشطة المهرجان، ولكني تابعت كشاعر مدعو للمهرجان عددا من الندوات التي عقدت في الفندق بالإضافة إلى مشاركتي البارحة الأولى في أمسية شعرية في أدبي الرياض ضمن فعاليات المهرجان». وأضاف: «بالنسبة للفعاليات الثقافية فقد حضرت ندوة مهمة عن علاقة الشرق بالغرب، والتي تم فيها طرح تساؤل عما إذا كانت علاقة صراع أم علاقة تبادل مصالح أو تكامل»، وكان محور الندوة يدور حول كلمة رئيس وزراء إسبانيا السابق الدكتور خوسيه لويس ثاباثيرو، حيث ألقى ورقة مميزة تحدثت عن أسس الاتفاق بين الشرق والغرب وتضع في الاعتبار الحوار بين الحضارات بدلا من الصراع بينها، وقال الشاعر الأردني: «جميل أن تأتي هذه الأفكار من شخص كان إلى وقت قريب رئيس وزراء لدولة مهمة هي إسبانيا». الوقت لا يكفي واستطرد يوسف عبدالعزيز قائلا: «لدي بعض النقاط على هذه الندوة حيث لم تمنح الوقت الكافي رغم أهمية المحور الذي خصص لها، فضلا عن أن الأوراق المطروحة في الندوة لم توزع على الحضور بشكل مكتوب لتمكينهم من الاطلاع عليها والتعمق فيها تمهيدا للمشاركة في الندوة من خلال المداخلات التي لا تقل أهمية عن الأوراق المقدمة من المشاركين». وتابع الشاعر الأردني: «هناك ندوة كانت حول الإسلام السياسي ولكن الندوة لم تمنح المشاركين فيها الوقت الكافي أيضا حيث كان الوقت المخصص لكل مشارك حوالي عشر دقائق وهذا بالتأكيد وقت غير كاف، وأنا أعتبر موضوع تلك المحاضرة هو موضوع العصر استنادا إلى ما حدث ويحدث في بلدان الربيع العربي وخصوصا مصر وتونس وليبيا». الإيوان الثقافي وشدد الكاتب الموريتاني والمحامي أحمد الوافي على الندوات المصغرة التي تقام على هامش المهرجان، مؤكدا بأنها تطرح العديد من المحاور التي لا تقل أهمية عما يطرح في الندوات المدرجة ضمن البرنامج الثقافي. وأشاد الوافي بما يقدمه الإيوان الثقافي من خلال مناقشة العديد من القضايا الفكرية والإبداعية، مؤكدا أن تنوع الضيوف وثراء وشمولية البرنامج الثقافي وقدرة المهرجان على جمع دول الشرق بدول الغرب يعد من العلامات البارزة التي منحت الجنادرية المزيد من الثراء والتنوع. من جهتها، أوضحت الباحثة اللبنانية غريد الشيخ صاحبة مؤسسة النخبة للتأليف والنشر، وأول امرأة تؤلف معجما لغويا في ستة مجلدات، أنها حرصت على حضور الندوة الأولى التي عقدت تحت عنوان «السعودية والتوازن الدولي» وكانت غنية جيدا وقدمت فيها عددا من أوراق العمل المهمة، كما حضرت ندوة القضايا العربية في البرامج الحوارية، مبينة أنها كانت ندوة مميزة جدا لأنها طرحت وشخصت أيضا أسباب صعود هذه البرامج وانتشارها في وقت وجيز وأيضا أسباب تراجعها، وهذا ما أكدته إحدى المشاركات من تلفزيون المستقبل عندما قالت: «يجب أن ننعى البرامج الحوارية لأنها أصبحت برامج ميت'»، وأضافت الشيخ: «هذا صحيح، حيث كنا نتابع لنعرف ماذا يحدث من حولنا ولكن الآن لا يوجد برنامج يستطيع أن يجذب المشاهد وهذا يعود لجماهيرية البرامج الرياضية والفنية وضعف البرامج السياسية النابعة من عدم المصداقية، فضلا عن التحيزات لحزب أو طائفة، كما أن ضعف ثقافة المذيع وعدم مصداقيته في نقل الواقع لأسباب أيديولوجية أو حزبية أو سياسية أسهما في نفور المشاهد العربي وابتعاده عن تلك البرامج». ضعف مجامع اللغة وأضافت «أنا شاركت في إحدى الندوات التي تناقش اللغة العربية وتحديات الهوية، وكانت ندوة مميزة ولكن الوقت الممنوح للمشارك قصير جدا، وهذا يجعلنا نطالب بتقليص عدد المشاركين في كل ندوة إلى اثنين بدلا عن أربعة لمنح المشارك مزيدا من الوقت وتمكينه من طرح ورقته بكل تفاصيلها، كما أنني أتمنى تفعيل تلك الأوراق ودمجها ودراستها للخروج بتوصيات محددة، يمكن لنا أن نستفيد منها ونخرجها من حيز الورق إلى واقعنا المعاش لتكون رافدا لنا أمام التحديات المختلفة التي تحدق بنا». وانتقدت الشيخ الدور الضعيف الذي تقوم به مجامع اللغة العربية، وقالت «عندما كنت أعمل على إنجاز معجمي والذي استغرق عشر سنوات تقريبا، ذهبت إلى الكثير من مجامع اللغة ولكني لم أجد إصدارات جديدة، وقد ذهبت إلى مجمع اللغة العربية في القاهرة ووفروا لي بعض المصطلحات القليلة وكان آخر معجم صدر عن المجمع هو معجم الوسيط الذي صدر منذ وقت طويل، وأضافت «تقصير مجامع اللغة العربية يدفع الجيل الجديد إلى الاعتماد على الانترنت وهذا يجعلهم عرضة للخطأ». الشمولية والجرأة من جهته، أوضح الكاتب السياسي اليمني نجيب غلاب أن أكثر ما يميز البرنامج الثقافي للجنادرية هذا العام هو شموليته وجرأته في اختيار عدد من الموضوعات الحساسة والمهمة، فضلا عن تداخل السياسي بالاقتصادي والثقافي، مبينا أن تلك الموضوعات المنتقاة بعناية فائقة تعد سمة بارزة في مهرجان هذا العام. وأضاف: «لفت انتباهي عدد من الموضوعات التي تمت مناقشتها في الندوات ومنها حركات الإسلام السياسي وحركات التنوير في الوطن العربي وإخفاق النهضة، فضلا عن ندوة الصين وآفاق العلاقة مع العالم العربي». الإسلام السياسي من جانبه، أشاد الدكتور سيد على مهاجراني من إيران بالتنوع الثقافي والفكري الذي شهده المهرجان، مبينا أن ندوة حركات الإسلام السياسي عبر العلاقة بين الثابت والمتحول تعد من الموضوعات المهمة التي ناقشتها ندوات البرنامج الثقافي. وأضاف «الإسلام السياسي بحاجة إلى مقارنات حكيمة تنطلق من الأخذ بالمفاهيم التي تعود بأصحابها إلى الإفادة من الإسلام»، وأكد مهاجراني أن الأخذ بالمعاصرة عامل مهم لإيجاد الترابط بين المفاهيم المقترنة بالإسلام، مستحضرا العديد من الشواهد في التراث الإسلامي. وأشاد مهاجراني بروح الحوار الراقي الذي جمع العديد من المثقفين على هامش المهرجان، مؤكدا أن تلك اللقاءات الجانبية والنقاشات التي تتم على هامش البرنامج الثقافي لا تقل أهمية عن الندوات الرسمية. سجالات فكرية وعلى ذات المنوال، رأى الكاتب العراقي زيد الحلي أن أروقة المهرجان شهدت العديد من النقاشات والسجالات الفكرية العميقة والمتنوعة أيضا، وترافقت تلك النقاشات مع الندوات التي حفلت بها أيام المهرجان لتشكل علامة ثقافية بامتياز، مبينا أن المهرجان أتاح له فرصة الالتقاء بأصدقاء وباحثين ومثقفين عرب، باعدت بينهم الظروف وجمعتهم خيمة الجنادرية بمحبة وألق. وأضاف «من أبرز ما ميز البرنامج الثقافي لهذا العام هو تداخل الثقافي بالسياسي والاقتصادي، وهذا شيء جميل خصوصا وأن الهم السياسي هذه الأيام يطغى على محيطنا دون أن نرى من خلاله فسحة تناغم للأصوات الثقافية العربية». شهادات تقديرية من جهة أخرى، قال الكاتب السياسي الأردني بلال الصباح والمقيم في جنوب أفريقيا إن رعاية مؤسسة عسكرية لمهرجان ثقافي بهذا الحجم الكبير تعد علامة بارزة في تاريخ المهرجانات الثقافية في العالم، مبينا أن المؤسسات العسكرية السعودية مميزة على صعيد دعم المشهد الثقافي بالعديد من الأنشطة الثقافية والمهرجانات، واستحضر الصباح تجربة وزارة الداخلية في برنامج المناصحة الذي قال إنه من أميز البرامج التي رسمت خارطة الحوار الواعي والإقناع بالعقل، لافتا إلى أن استفادة الغرب من البرنامج وتطبيقه في بلدانهم يعد شهادة لهذا البرنامج المميز التي تقوم عليه مؤسسة عسكرية. وأضاف أن التنوع والشمولية والجرأة التي تميز بها مهرجان الجنادرية تمنحه القوة وتجعلة إحدى منارات الإشعاع الفكري والثقافي والاقتصادي والسياسي أيضا. وأشار الكاتب الأردني بأن تأثير المهرجان بدا واضحا في تناولات المفكرين والسياسين، مبينا بأنه كتب عددا من المفردات كالتراث والعادات والتقاليد في مقال سياسي نشر أمس في إحدى الصحف العربية، وأكد بأن تلك المفردات رسخت في الذاكرة بفضل مهرجان الجنادرية. وطالب الصباح بتطوير المهرجان في السنوات المقبلة، مؤكدا على أهمية منح المشارك بالندوات المزيد من الوقت، وتمنى بأن تطبع ورقات عمل المشاركين ويتم تزويد الحضور بها قبل بدء الندوة، وأضاف: «كنت أتمنى منح المشاركين وضيوف المهرجان شهادات تقديرية من قبل المهرجان لتوثيق مشاركاتهم في مهرجان يعد من أهم التظاهرات الثقافية العالمية».