للوهلة الأولى يبدو الحوار الوطني عنوانا عريضا لكل الإشكالات السياسية، وينظر إليه على أنه لقاء مثقل بالهموم والتحديات والإشكالات، ومهمة صعبة على الحضور.. وربما في هذا شيء من الدقة والواقعية، إلا أن في بواطن هذا الحوار ثمة مشاعر يمنية نبيلة تذوب فيها معاني الجنوب والشمال تحت عنوان يمن الغد ويمن التآخي والوحدة. كان ذلك واضحا من خلال اللقاءات الهامشية بين المتحاورين من الحراك الجنوبي وقيادات الشمال، ظهرت روح الحوار والغاية النفسية منه، حين وجد القادمون من الجنوب اليمني اهتماما من قبائل الشمال التي احتفت بهم بطريقتها، إذ كانت الاحتفالية التي أظهرتها قبائل بكيل بقيادة الشيخ مجاهد القهالي وزير المغتربين بأبرز قيادات الجنوب ورئيس المؤتمر الوطني لشعب الجنوبي الشيخ أحمد بن فريد الصريمة العولقي والذي يعتبر أحد مشايخ قبائل العوالق، وجه وطني وعاطفي يعبر عن الأمل في العيش المشترك لكل أبناء الشعب اليمني. وبصورة شاعرية أقرب ما تكون إلى السياسة ظهرت وبهدوء قصص ما قبل الوحدة وما بعدها وهواجس الجنوبيين ومعاناتهم والحديث الشفاف لكيفية حل القضية الجنوبية بعيدا عن الجلسات الرسمية. الشيخ مجاهد القهالي حرص في الاحتفالية مشاركة عدد الوزراء ومشايخ الشمال في لفتة جميلة قوبلت باستحسان ومباركة الجميع، وقبل وصول المحتفى به الصريمة لمنزل القهالي أقدم عدد من اليمنيين على الرقصة الصنعانية التقليدية حاملين «الجنابي» بأيدهم، وألقيت في المناسبة القصائد الشعرية والأهازيج الترحيبية الشعبية التي أكدت أن القبائل اليمنية موحدة ولن تستطيع أي قوى التفرقة فيما بينهما. وتضمنت الرقصات الأهازيج الترحيبية التي ألقيت في فناء المنزل فيما ألقى الشاعر اليمني محمد التركي الهلالي ترحيبا بالصريمة قصيدة ضمنت أبياتا شعرية قال فيها (عبد ربه ولد هادي بن منصور يقولها يقولها ويسويها يسويها) في معرض وصفه للحوار اليمني الذي جميع اليمنيين من شمالهم لجنوبهم على طاولة واحدة لقيت استحسان الجميع. مثل هذه المشاهد المستفزة للمشاعر الوطنية، أضفت على النفوس المشاركة في الحوار من الشمال والجنوب جانبا من الثقة، ربما قدمت للحوار أكثر مما تقدمه الحوارات السياسية الرسمية. وهذا أحد أهم أهداف الحوار.. الجلوس وجها لوجه، واسترجاع الماضي بهدوء وحسن نية، بعيدا عن المماحكات السياسية والتشنج المناطقي.