المختصون والخبراء يرون ضرورة وضع استراتيجية واضحة لجميع بنوك الدم مع ربطها بآلية موحدة بحيث يصبح اسم المتبرع بالدم مسجلا في كل مستشفيات المملكة منعا لحدوث أي كارثة والتصدي لأي مصاب قد يتجه إلى أي منطقة ويتبرع في بنوكها بدمه.. المختصون تحدثوا عن التجربة الكندية حيث أعادت النظر في منظومة نقل الدم بعد أن شهدت أسوأ كارثة في الثمانينات عندما نقل دم ملوث بالكبد الوبائي والإيدز لآلاف المرضى مما أدى إلى وفاة العشرات. وبادرت الحكومة الكندية بوضع قوانين واضحة ونظام محكم صارم لتفادي حدوث الأخطاء وهو ما سمي فيما بعد بتحقيق «كريفر».. وأكد المختصون أن فاجعة الطفلة رهام تستدعي ضرورة التشديد على الفحوصات الطبية التي تجرى على المتبرعين بالدم. المتخصص في أمراض الدم عضو هيئة التدريس في كلية الطب جامعة الملك سعود والطبيب المبتعث حاليا إلى كندا، الدكتور موسى فارس الزهراني، ذكر أن نقل الدم إلى المريض المحتاج له فوائد كثيرة، وفي المقابل هناك مضار ينبغي للطبيب شرحها للمريض بالتفصيل، مبينا أن الإجراء الطبي يتطلب قدرا عاليا من المسؤولية والخبرة، وفي الوقت نفسه يتطلب وجود نظام طبي متكامل بدءا بالفحص السريري للمريض والتأكد من الاحتياج الفعلي للدم مرورا بمختبر الدم المسؤول عن اختيار الدم المناسب وانتهاء بالنظام المتخذ في التأكد من سلامة دم المتبرع. الزهراني أشار إلى أنه في بداية الثمانينات في كندا بعد ظهور فيروس الكبد الوبائي من النوع سي وفيروس HIV المسبب لمرض الإيدز تم نقل دم ملوث لآلاف المرضى وذلك ما أدى إلى وفاة الكثيرين واستدعاء طارئ من الحكومة الكندية التي كلفت فيما بعد أحد أشهر القضاة للبحث في الموضوع ودراسة سبب نقل الدم الملوث، ووصف الباحثون هذه المصيبة بأسوأ كارثة طبية في تاريخ كندا وينظرون إليها كنقطة سوداء في تاريخها الطبي. الخطأ وارد وأضاف الزهراني: رغم ذلك فإنه لاتزال احتمالية نقل الفيروسات عن طريق نقل الدم واردة في دول أخرى حتى في أمريكا لأكثر من سبب، ففي العادة يتم فحص دم المتبرع للتأكد من خلوه من الفيروس المسبب للإيدز ولكن هناك مرحلة قد يكون الفيروس كامنا عندما يتبرع الشخص بالدم فلا تستطيع الأجهزة الطبية ملاحظة الفيروس، لذلك تستخدم الدول المتقدمة طبيا فحص الحمض النووي بدلا من الفحص العادي. وهو يقلل من احتمالية نقل الفيروس بشكل كبير مقارنة بالدول التي لاتزال تستخدم الاختبار القديم، ومع ذلك لازالت هذه الحالة تحدث بشكل نادر بمقدار حالة لكل 8 ملايين حادثة نقل دم تقريبا. الأخطاء السابقة الدكتور الزهراني المتخصص في أمراض الدم لفت إلى أن من مسؤولية الطبيب أن يشرح للمريض عن سبب نقل الدم وأهميته من عدمها، وشرح المخاطر التي ممكن أن تحدث، ففي العلم الحديث المتعلق بنقل الدم هناك ما يسمى ب lookback و traceback. وهي عبارة عن آليتين مشتركتين، الثانية تستدعي البحث عن المتبرع المسؤول عن نقل الدم الملوث والآلية الأولى تستدعي البحث عن الضحايا المحتملين الذين تم نقل الدم لهم بعد اكتشاف الفيروس إما في الشخص المتبرع أو في الضحية الأولى، والبحث كذلك في جميع الوحدات التي تبرع بها ذلك الشخص وإهلاكها.. ويرى الزهراني أن الفشل في الوصول للشخص المتبرع مؤشر خطير على فشل وتدهور النظام المسؤول عن التبرع، داعيا المسؤولين إلى إعادة النظر في نظام التبرع بالدم والاستفادة من الدول التي سبقتنا خبرة في هذا المجال، وخلص إلى القول: إن أهمية نقل الدم تستدعي ليس فقط التحقيق في الأخطاء السابقة ومعرفة أسبابها ولكن أيضا في محاولة الوقاية ومنع تكرار حدوث مثل هذه الأخطاء. ضوابط صارمة استشاري أمراض الدم الدكتور عبدالرحيم قاري قال: إن بنوك الدم في المملكة لاتزال غير مرتبطة ببعضها وذلك ما يوجد ثغرات تؤدي إلى حدوث كوارث، وأضاف: إن المتبرع بالدم يمكن رصد وضعه من ناحية التحاليل بواسطة رقم السجل المدني وتغذية ذلك في قاعدة بيانات تساعد بنوك الدم في تبادل المعلومات فيما بينها لمنع احتمالية أن يتجه أو يذهب المتبرع إلى بنك دم آخر في حالة وجود خلل في تحاليله، خاصة أنه حاليا يمكن الاستفادة من التبرع الواحد في إنتاج عدد من مشتقات الدم مثل البلازما والصفائح الدموية. وأشار إلى أنه تجري دراسات لإنشاء مشروع كبير لإنتاج مشتقات البلازما على نطاق واسع.. وحول إصابة الطفلة رهام بالأنيميا المنجلية ونقل الدم الملوث لها. قال د.قاري: إن مرضى الأنيميا عادة يحتاجون بشكل متكرر إلى نقل الدم مما يجعلهم عرضة لمضاعفات نقل الدم سواء المعدية منها أو غير المعدية، فلذلك لابد من وضع استراتيجية لخدمة هذه الفئة من المرضى بشكل أفضل وذلك بمنحهم الخصوصية في العلاج بأعلى درجات الجودة، فعلى سبيل المثال يمكن إجراء فحوص مطابقة الفصائل بشكل موسع يشمل فصائل الدم التي لا تفحص في الحالات الاعتيادية مثل نقل الدم في الجراحات أو الحوادث، وكذلك يمكن تطبيق معايير أعلى في اختيار المتبرعين، مثل اختيار متبرعين سبق لهم التبرع قبل فترة تتجاوز (3 6) أشهر سبق فحصهم للفيروسات مثل فيروس الإيدز والكبد الوبائي من قبل عدة مرات. أول حالة أستاذ الميكروبات الطبية ومكافحة العدوى المساعد بكلية الطب بجامعة الباحة الدكتور محمد عبدالرحمن حلواني يقول: إن معدل اكتساب الفيروس المسبب لمرض نقص المناعة المكتسبة عن طريق الدم وذلك حسب آخر الإحصائيات هو حالة لكل مليون ونصف عملية نقل دم، مبينا أن أول حالة سجلت في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية في بداية الثمانينات في طفل لم يتجاوز العام ونصف العام حيث كان الطفل مصابا بسيولة في الدم منذ ولادته وتم نقل دم إليه بشكل متكرر.. إحدى مرات نقل الدم كانت من شخص حامل للفيروس وهو ابن شهر وظهرت عليه أعراض الإيدز عندما أصبح عمره عاما ونصف العام.. وآخر حالة شبيهة سجلت في عام 2008 في مدينة ميزوري من متبرع شاب لم يكن يعلم بإصابته نقل دمه لشخص زرعت له كلية بسبب الفشل الكلوي. جهاز المناعة استشارية الفيروسات الدكتورة إلهام طلعت قطان تناولت في حديثها كل ما يتعلق بالمرض وقدرته في تدمير الجهاز المناعي للجسم فتقول: إن الإيدز مرض يصيب الجهاز المناعي البشري، وتؤدي الإصابة بهذه الحالة المرضية إلى التقليل من فاعلية الجهاز المناعي للإنسان بشكل تدريجي ليترك المصابين به عرضة للإصابة بأنواع من العدوى الانتهازية والأورام.. وأضافت: «ينتقل فيروس HIV إلى المصاب عن طريق حدوث اتصال مباشر بين غشاء مخاطي أو مجرى الدم وبين سائل جسدي يحتوي على الفيروس مثل : نقل الدم الملوث، والعلاقات الجنسية غير الشرعية، أو من خلال إبر الحقن الملوثة بهذا الفيروس. وطبقا للدكتورة قطان فإنه يحدث تفاقم الإصابة بالفيروس الحاد بمرور الوقت ليتحول المرض إلى مرحلة الإصابة بالعدوى السريرية الكامنة ثم تتطور إلى ظهور المراحل المبكرة من أعراض الإصابة بالعدوى ثم إلى الإصابة بمرض الإيدز الذي يمكن تشخيصه عبر التحليلات، وتوجد الكثير من العوامل التي من شأنها أن تؤثر على تطور حالة المرض ومنها عوامل تؤثر على قدرة الجسم على الدفاع عن نفسه ضد هجوم فيروس HIV مثل الحالة المناعية العامة للجسم المصاب فالأشخاص الأكبر سنا يتمتعون بأجهزة مناعية أضعف، ولهذا يتعرضون لخطر أكبر بالتطور السريع للمرض أكثر من غيرهم من الأشخاص الأصغر سنا، كما أن إصابة المريض بأنواع أخرى من العدوى مثل: الدرن، قد تعرض أيضا الأشخاص المصابين لتطور أسرع لهذا المرض.. الدكتورة قطان خلصت إلى القول: «رغم أن الوسائل العلاجية لمرض الإيدز وفيروس نقص المناعة البشرية يمكن أن تقوم بإبطاء عملية تطور المرض فإنه لا يوجد حتى الآن أي لقاح أو علاج وقائي .