بالحياة، أمنياتهم طرد الأمية والتخلص من الجهل، يأملون أن تذوب التضاريس لتتوفر البيئة الخصبة لإقامة مستشفيات تمنحهم الرعاية الطبية، أهالي تهامة قحطان، وسكان تهامة عسير لا يكادون يحلمون بأكثر من أن يخرجوا من الحياة داخل الشبوك وأن يسد الماء العذب عطشهم وإنارة تقتل الظلام. كشفت جولة «عكاظ» في تهامتي عسير وقحطان عن أناس لا يعرفون التلفاز، ولا ورق الصحف، يقضون أوقاتهم منصتين إلى إذاعات الراديو التي بالكاد تصفو. بينهم أميون لا يقرؤون سوى القرآن الكريم ولا يستطيعون فك أحرف ما سواه من الكتب، وفي المساء يزيد عواء الذئاب وحشتهم ونباح الكلاب، يحدوهم خطر الأفاعي وهجوم القردة كلما حاولوا الخروج نهارا، في البداية يذكر حسين مسفر جحوش آل الحسن وعمره 80 عاما السكان هنا يشربون من الأنهر الجارية ومنابع الأودية ومياه الآبار الملوثة وفي النادر يجلبون بمشقة مياه محلاه ويضعونها في خزانات أعياها الصدأ ما يجعل حياتهم معرضة للخطر وصحتهم. وأوضح أن السكان يعيشون في «شبوك وأقفاص»، فيما يسكن آخرون بيوتا عتيقة المبنية من الطين والمسقوفة بجذوع الشجر فيما الأثاث مقتصر على الحصير الذي ما أن يحل ضيفا حتى تخرج الأسرة خارج حدود الشبك لتكريم الضيف واستضافته على الحصير. ويشير آل الحسن إلى أن الحيوانات المفترسة والثعابين تهدد حياة الأهالي، وتزداد رقعة المعاناة حين يصاب أحدهم بمرض، في وقت لا يوجد فيه مستشفيات أو مراكز طبية تقدم الرعاية لمن يحتاجها، مضيفا العلاج هنا بدائي ويلجأ غالبية السكان إلى التداوي بالأعشاب، وحين يبلغ اليأس حده يأتي آخر العلاج «الكي» أما من تلدغه العقارب والثعابين فهو بين الموت على الفراش أو في الطريق إلى المستشفى. وعن الولادة يقول من تتعسر ولادتها تموت مكانها أو في الطريق أثناء إسعافها نتيجة لوعورة الطرق وتضاريس المنطقة الجبلية وبعد المستشفيات. ويذكر العم حسن منازلنا المتواضعة تهزها الرياح ويغرقها المطر، وينتظرون إعانات الجمعيات الخيرية كل عام وقد لاتصل إليهم والمحظوظ على حد وصفه من يحصل على ضمان اجتماعي ولكن تبقى المشكلة كيف يصرفه في ظل انقطاعه عن العالم وعدم توفر البنوك. ونوه حسين مسفر إلى أنه ضرير ويعول ستة من الأبناء كذلك أصم ويعاني من أمراض صدرية ويسكن برفقة أسرته في شبوك ومنازل من طين تنتهكها المياه وقت الأمطار الغزيرة، مشيرا إلى أن حوادث الغرق التي تحصل مع كل موسم أمطار ومصادر المياه ملوثة سواء للشرب أو الاستخدامات الأخرى. وأكد أنهم يعيشون في عزلة عن العالم بسبب عدم إيصال خدمة الهاتف الثابت أو الجوال إلى قراهم. وأضاف أن الإعانة التي يتقاضها لا تفي بمستلزمات أسرته ولا تكفي لشراء الدقيق ومستلزمات المنزل الأساسية حيث أن أبناءه عاطلون عن العمل، إذ أنه من النادر أن يستطيع الأبناء إكمال دراستهم بسبب بعد المدارس التي تكمنهم من إكمال دراستهم فيها . وفي جزء آخر من تهامة عسير في قرية ( لنكه ) 40 كيلو يعيش الطفل محمد عبدالله نافع ابن الأربعة أعوام الذي فقد إحدى يديه أثناء سقوطه من على منزله وتعثر علاجه في مستشفى البرك العام القريب إلى قريته بسبب عدم وجود أخصائي عظام. ويذكر والده أنه في ظل عدم وجود أخصائي عظام كذلك في مستشفى القحمة العام يتم تحويله إلى مستشفى محايل العام وهناك تم تجبيرها بشكل خاطئ ما تسبب في بترها، مضيفا أنه بسبب وعورة الطريق لم يتسنى له إكمال علاج ابنه كما أن المنزل الذي تسكنه الأسرة من الطين وبدون كهرباء فيما يتم جلب الماء من تحلية البرك البعيدة عن القرية. ويذكر عبدالله نافع أن الأهالي يبعدون عن الخدمات أكثر من 40 كيلو مترا والطرق غير معبدة ما يجعل من إيصال إعانات الجمعيات الخيرية شبه مستحيل كما أنه بسبب عدم توفر كهرباء. وأضاف أنه يصعب على الأهالي تعليم أبنائهم ونقلهم إلى مدارس المحافظة نظرا لظروفهم المادية ومصاريف الدراسة والنقل وهم لا يملكون من حطام الدنيا قوت يومهم، كما أنه خلال الأمطار ينقطعون عن الدراسة لأيام تصل إلى أسبوع كامل وذلك لما تسببه من انقطاع في الطريق وعزلهم عن العالم استمراراً للحديث أوضح أنهم لا يؤدون صلاة التراويح في رمضان حيث الأغلبية من كبار السن أميين. وذكر أنه بسبب المياه الملوثة أصيب بعض الأهالي بالأمراض مثل الفشل الكلوي كما أن الآبار الحالية مكشوفة ويستخدمها معظم السكان، مضيفا أن الأهالي يعتمدون في دخلهم على بيع وشراء الأغنام، مبديا في الوقت نفسه أن الأهالي يخشون من انتشار الأمراض المعدية في ظل وجود أعداد كبيرة من المجهولين الذين يسكنون الأودية ويتخذون الجبال والمنازل المهجورة مأوى. ويعيش الشاب محمد سعيد جابر مع والده ووالدته الطاعنين في السن واثنين من أعمامه أحدهما مصاب بشلل كامل وأبكم منذ خمسين عاما وآخر يعاني من شلل نصفي وتخلف عقلي منذ الولادة وجميعهم يعيشون في غرفة واحدة. وأضاف أنا عاطل ولم أجد عملا سوى جمع الحطب وبيعه والذي أصبح الآن ممنوع من قبل وزارة الزراعة فيما الجمعيات الخيرية رفضت تأمين الحليب لأعمامي المشلولين بحجة أنهم عزاب وليس لديهم أسر رغم أنهم لا يستطيعون تناول أي أطعمة سوى الحليب السائل.