سبق أن انتقدنا المثقف في وقوعه بما أسماه علي حرب ب(خداع الأفكار الكبرى) التي أسست لنخبويته، وفصامه الثقافي مع الواقع، واليوم نحاول إعادة ترتيب الذات الثقافية التي يمكن أن ترمم بعض إشكاليات المثقف مع عصره، ومع مجتمعه، كنوع من محاولة استعادة الدور الثقافي للمثقف، لكنه ليس الدور الذي مارسه، وما زال يمارسه، بوصفه حاملا للحقيقة، وعلى ضوئها يعمل بالوصاية على المجتمع، فهذه إحدى إشكاليات المثقف التي نقدها الكثيرون، بل بالبحث عن دور يتناسب مع المثقف بوصفه باحثا عن الحقيقة، وبوصفه جزءا من الكيان الاجتماعي، وليس متعاليا عليه. وترتيب الذات الثقافية في مفهومنا لا تختص في المثقف وحده. الذات الثقافية هنا تعني التصورات الثقافية العامة: للمجتمع وللمثقف على حد سواء، بمعنى انخراط كلي/ فردي للمثقف/ وجماعي للمجتمع، في مساءلة التصورات الثقافية عن الذات. المجتمع والمثقف بحاجة إلى مراجعة الكليات الثقافية، والمكونات التاريخية التي عملت على فصلهم عن العصر من جهة، وعن تاريخهم من جهة أخرى. ولعل المهمة تكون أكثر ثقلا على المثقف بوصفه أكثر الفاعلين في الرؤية التغييرية للمجتمع. هل نعيد فكرة الوصاية هنا؟ بالتأكيد لا، إنما المقصود كون المثقف فاعلا من ضمن فاعلين آخرين. لكن المهمة الأكثر تكون عليه، لأنه المتعاطي الثقافي مع الثقافة بشكل أكثر تماسا من الأفراد العاديين. ويمكن إعادة النظر في الذات الثقافية في انتقال المثقف في رأيي من ذهنية (مثقف الحقيقة) إلى (مثقف النقد)، أي ذلك المثقف الذي لا يمارس فرض الحقيقة بوصفه مالكاً لها بقدر ما أنه يخضع تلك الحقائق الاجتماعية والثقافية لإطار الشك المنهجي. وإعادة (مفهمة المفاهيم)، أو لنقل بشكل أكثر وضوحا: نقدا مفاهيميا للمفاهيم، والتصورات، والمقولات الثقافية، مهما كانت مثاليتها الفكرية أو مسلماتها، أو طوباويتها الثقافية، والإنسانية، والسياسية، ولا يعني ذلك نقضها أو تقويضها بالكلية، وإنما إعادة مفهوميتها من جديد، أي من خلال إبداع مفاهيم جديدة، وإعادة الدهشة للعقل والشعور الثقافي العام والخاص للمثقف نفسه وللمجتمع من حوله.