لن يكون الحوار الوطني اليمني الذي سينطلق في 18 مارس المقبل محطة سهلة على الشعب اليمني الذي خاض غمار الثورة وتمكن من تحقيق الانتقال السلمي للسلطة من خلال تنحي الرئيس علي عبدالله صالح عن الرئاسة، وذلك لأن الدولة اليمنية الوليدة تواجه تحديات كبيرة لإنجاح الحوار الوطني منها ما هو سياسي واقتصادي وأمني ومخاطر أخرى لسنا في صدد تعدادها وحصرها. وتتصدر القضية الجنوبية وقضية صعدة الشائكة ورسم معالم الدولة المدنية الحديثة وتنفيذ بقية بنود المبادرة الخليجية أجندة الحوار الوطني المرتقب، بل إن الأهم من ذلك كيفية مواجهة احتمالات مشاركة الرئيس السابق علي عبدالله صالح في الحوار إذا قرر في اللحظات الأخيرة المشاركة فيه. وتقف أمام مؤتمر الحوار عدد من الإشكاليات التي تمثل حقل ألغام ليس فيها مجال لاحتمال الخطأ أو الصواب، أو النجاح أو الفشل في تفكيك هذه الألغام ونزعها من طريق الحوار. وليس هناك شك أن إعلان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي 18 مارس موعداً لمؤتمر الحوار الوطني بعد سلسلة من المحادثات والمشاورات التي أجراها مع كافة الأطياف والتيارات السياسية تعتبر الخطوة الأولى نحو دعم ثقافة الحوار رغم استمرار مماطلة الأحزاب في تقديم قوائم وأسماء ممثليها في مؤتمر الحوار الوطني الذي افتقد في المرحلة الماضية ويتطلب تثبيته كسياسة في حل القضايا الداخلية الشائكة، خاصة أن الإعلان عن موعد للحوار لقي ترحيباً دولياً غير منقطع النظير الذي يجب أن يكون شاملا ويحمل نوايا خالصة لحل كافة القضايا العالقة لسنوات عديدة، خصوصا فيما يتعلق بقضية صعدة واستمرار سيطرة الحوثيين عليها وتجاهل أبناء صعدة الحقيقيين وعدم إعطائهم حقوقهم الشرعية وإيجاد حل أمثل لقضية صعدة من خلال إعطاء أبناء صعدة حقوقهم التي سلبت منهم ومشاركتهم في الحوار من خلال إعطائهم مقاعد خاصة بهم وليس من المقاعد المخصصة للرئيس اليمني. هذه القضية التي تشكل أحد الألغام في طريق مؤتمر الحوار؛ خصوصا في ظل وجود غموض يكتنف المشروع الحوثي السياسي؛ في ظل الدعم العلني الذي يتلقاه الحوثيون من إيران والذي أصبح واضحا للعيان، الأمر الذي جعلهم يتوسعون على الأرض، ويحكمون قبضتهم على المناطق التي يسيطرون عليها ويديرونها بمنطق الدولة دون أن يكترثوا للدولة أو لأبناء صعدة الحقيقيين. خاصة أن المشروع الحوثي لا يحظى بقبول شعبي، لكن مصدر قوته الحقيقية يكمن في أنه نجح خلال السنوات الثماني الماضية في تكوين جيش صغير مسلح بعتاد ثقيل دعم من إيران، وهو الأمر الذي أتاح لهم إعادة إنتاج الفكر الشيعي ليس فقط في صعدة وإنما في بعض المدن اليمنية الأخرى أيضا. إن مؤتمر الحوار يشكل فرصة تاريخية لإحداث تغييرات جذرية ترضي قوى الثورة الشعبية وتحقق الأمن والسلام لليمن، وهي فرصة حتى تستريح البلاد من مخاض المواجهات السياسية طوال الفترة الماضية، وهي كذلك فرصة ذهبية لا تفوت في بلاد الربيع العربي حتى يحل اليمنيون كل خلافاتهم السياسية بعيدا عن التشنج السياسي والانتماءات الحزبية أو الدينية، على أمل تحقيق بناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة، لأن هناك أملا إذا حسنت النوايا ووضع الجميع أيديهم في أيدي البعض لمصلحة يمن للجميع ويمن خال من الطائفية والإرهاب والقبلية والحزبية. إذا توفرت الآن الظروف الإقليمية والدولية الداعمة للحوار الوطني، فإنها لن تكون متوفرة في كل مرة، وليس أدل من ذلك على اهتمام مجلس الأمن الدولي بشكل خاص على ضرورة تسمية معرقلي المبادرة الخليجية، هذه المرة يحتاج اليمنيون إلى الإجماع الوطني أكثر من ذي قبل حتى يتم العبور إلى الدولة الجديدة.