رغم وصف البعض لها بأنها (ثورة غير مكتملة) إلا أن محاورنا يصفها بأنها ثورة (ناضجة) في ظل العوامل الداخلية والحسابات الإقليمية والدولية، هي ثورة الربيع العربي في اليمن التي ما زالت تدور حولها وبعدها الأسئلة... فإلى أي مدى وصلت الثورة اليمنية في تحقيق أهدافها؟ وما مستقبل الملفات الشائكة والعالقة منذ مدة من قضية الحوثيين في صعدة إلى قضية الجنوب ودعوات الانفصال مرورًا بالدور الذي تلعبه الأطراف الدولية والإقليمية في الحالة اليمنية. هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على رئيس الكتلة البرلمانية لحزب التجمع اليمني للإصلاح أكبر الأحزاب اليمنية المعارضة -سابقًا- السيد زيد الشامي من خلال الحوار التالي: * رغم اختلاط الأوراق في اليمن وتداخل المطالب، كيف تصف أنت الوضع في اليمن؟ المشهد بشكل عام يتجه نحو الانفراج؛ فاليمنيون قرروا المضي قدمًا للخروج من الأزمات، وبالقياس على ما كانوا عليه خلال الفترة الماضية خاصة ما قبل ثورة فبراير (2011) هم الآن يسيرون في الطريق التي كانوا يطالبون بها النظام السابق؛ فالجميع كان يطالب بالتغيير وبالعدالة وبالمساواة، والجميع كان يطالب بالحكم الرشيد وبدولة المؤسسات، هذه المطالب ظل النظام يتجاهلها، وعلى العكس من ذلك ركز على قضية التوريث وتمكين الأسرة الحاكمة وتسليمها مقاليد الأمور ابتداءً بالمؤسسة العسكرية ثم الاقتصادية ثم الإعلامية، ورغم تكرار دعواتنا للنظام بعمل إصلاحات حقيقية إلا إنه لم يستجب لأي نصح أو مطالبات أو حلول سياسية؛ فأوصل البلاد إلى طريق مسدود حتى جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير عندما أراد أن يعدل الدستور ليضمن التمديد والتوريث. والناس كانوا يتوقعون أن تكون حربًا أهلية، لكن اليمنيين استطاعوا أن يخرجوا من هذه الأزمة رغم كل المحاذير والمآلات التي كان يهدد بها النظام السابق من تشظي البلاد، وانتشار الإرهاب وإحلال الفوضى، تجنب اليمنيون كل ذلك وخرجوا في مسيرات حاشدة أجبرت الرئيس السابق على الاستسلام والخروج وإن كان هذا الخروج لم يكن بالشكل المرضي. *هل ترى أن الثورة اليمنية غير مكتملة؟ الناس يقولون: إنها ثورة غير مكتملة، وأنا أعتقد أنها ثورة ناضجة؛ لأن الثورات في المنطقة التي أزاحت رأس النظام السابق لم تنته بعد إلى التوافق على الدستور وإقامة حكم رشيد في مصر أو تونس أو غيرهما، ونحن في اليمن اخترنا ألا يفرض أحد رأيه على الآخرين، فتم الاتفاق على الحوار الذي يجمع بين كل الأطراف، والآن الإجراءات على قدم وساق لتتم عملية الحوار بالتوافق والتراضي بحيث يتم الاتفاق على شكل الدولة. ثغرات الاتفاقية * لكن في الاتفاقية الخليجية التي وقعتم عليها، ألا تحصدون أنتم ثمرات الثغرات التي وضعت في الاتفاقية مثل حصانة علي عبدالله صالح وعدم التنصيص على خروجه من البلد حتى تنتهي الفترة الانتقالية على الأقل، وهو الآن يعمل من خلال هذه الثغرات؟ أصعب ماوجدناه في المبادرة الخليجية هو إعطاء علي عبدالله صالح ضمانات تحصينية، فالبعض لم يقدر طبيعة الرجل وكيف يمكن أن يتلاعب بتلك الحصانات، لكن أفضل ما في المبادرة أيضًا أنها نصت على تنحيه وتسليمه للحكم، الآن هو يتشبث ببقايا نفوذه وأسرته واتصالاته السابقة. * هل تعتقد أن لأمريكا مصلحة في بقاء علي عبدالله صالح في اليمن؟ الأمريكان يتعاملون مع القضايا بمنطق المصالح، وعلي عبدالله صالح كان ورقة بالنسبة لهم مفيدة، الآن صار عبئًا عليهم، ولا يمكن أن يتبنوه مرة ثانية. * هل هناك فعلًا لعبة أمريكية لعبتها سواءً في العلن أو في الخفاء وهل بيتت النية لإبقاء صالح في اليمن؟ لا.. أعتقد أن أمريكا غير مطمئنة للوضع الجديد وإلى ماذا سيؤول؛ فالنظام السابق كان بيدها لكن البديل قد لا يكون مرضيًا، فلذلك هي تبدي تحفظًا إزاء التخلص من كل بقايا النظام السابق. حتى تطمئن أن الوضع الجديد مرضٍ بالنسبة لها. * في كل دول الربيع العربي حلت الأحزاب الحاكمة إلا في اليمن، هل هناك مصلحة للدول الغربية من بقاء الحزب؟ حلت الأحزاب الحاكمة رسميًا لكن هل انتهت هذه الأحزاب؟ في الانتخابات المصرية كاد أحمد شفيق أن ينجح، من يصدق هذا؟ لذلك نحن في اليمن لا نريد أن نكرر أخطاء الآخرين، نحن نقول يبقى حزب المؤتمر كحزب من الأحزاب لكن لا يعتمد على السلطة والدولة لا هذا الحزب ولا غيره. *في ظل عدم وجود قانون للعزل السياسي لرموز النظام السابق، هل يمكن أن يلعب أحمد علي صالح دورًا سياسيًا -كما أوردته صحيفة (اليمن اليوم) ويقود ما بات يسمى «الثورة السلمية المضادة» في اليمن؟ بالنسبة لحزب المؤتمر لا أعتراض على مشاركته في الحياة السياسية، لكن الجميع يتمنى على المؤتمر تقديم قيادات بعيدة عن التطرف ولم تتلوث أيديها بالفساد والدماء. الحوثيون *لاعب آخر في الساحة اليمنية هم الحوثيون، لديهم دعم خارجي أصبح معروفًا ويستخدمون المعارضة المسلحة، كيف تقيم وضع الحوثيين؟ الحوثيون مروا بحروب وتصدروا المواجهة، وعليهم اليوم أن يختاروا بين أن يبقوا كمليشيات مسلحة، تتحدى سلطة الدولة، أو أن يتحولوا إلى حزب سياسي وهذا ما تطالبهم به جميع القوى السياسية، إذا أرادوا أن يكون لهم وجود فعليهم أن يتحولوا إلى حزب سياسي يكون له برنامج. *لكنها حركة مدعومة من الخارج وقرارها في إيران وليس في الداخل؟ هم ينكرون هذا، ونحن نتعامل معها على أنها قوة موجودة، لكنها حتى الآن غير مؤطرة سياسيًا، موضوع أن تفرض رأيك بالقوة هذا مرفوض، هم يقولون إن كل الناس لديهم سلاح، ونحن نقول فرق أن يكون لديك سلاح شخصي تدافع به عن نفسك، وأن تأتي للناس وتقول لهم إما أن تأتوا معي وإما لدي هذه القوة سوف أفرض ما أريد بالقوة، هم حتى الآن قبلوا أن يدخلوا في الحوار، وقد كان لديهم تردد كبير. وقبل أن يدخلوا في دائرة الحوار الوطني المشترك كان قد فتح باب الحوار معهم، وتوصلنا إلى بعض الاتفاقات العامة التي خلاصتها العمل من أجل العدل والمساواة، وإقامة نظام الحكم الرشيد، وإقامة دولة الدستور والمؤسسات، والاحتكام إلى الدستور والقانون. *هل يمكن أن يتخلوا عن سلاحهم، وهل قبولهم بالحوار من باب أخذ مزيد من الوقت؟ لا أعتقد أن الحوثيين سيرتكبون حماقات ويفجروا صراعات؛ لأنهم جربوا الصراع مع الدولة، لكن الآن لو جربوا أن ينقلوا الصراع إلى مناطق أخرى سوف يخسرون المعركة، هم ليس أمامهم إلا الحوار، عليهم أن يعرضوا أفكارهم بطريقة سلمية، والفكر يواجه بالفكر، والوضع الذي نحن فيه وضع استثنائي، الدولة لم تكتمل بعد، والنظام السابق لا يزال يسبب لنا مشكلة، والحوثيون أنفسهم تكلموا بهذا وقالوا: إن علي عبدالله صالح عرض عليهم أن يسلمهم محافظة عمران وحجة وصعدة والجوف قبل أن يوقع على المبادرة أثناء الثورة مقابل أن يقفوا معه لكنهم كانوا غير واثقين به، وتوقعوا أن ينقلب عليهم بحكم أنهم قد جربوه في الحروب السابقة. *ما حقيقة العلاقة بينهم وبين علي عبدالله صالح بعد الثورة اليمنية؟ هناك كلام كثير حولها من بداية الثورة وحتى الآن، ونحن عند لقائنا بالحوثيين ينكرون هذا. مصالح مشتركة *وهل لديكم مؤشرات ودلائل على هذه العلاقة؟ المصالح المشتركة، ونحن نقول ربما قد يكون هناك فوائد من لقاء الحوثيين مع علي صالح، لكن علي صالح عليه أن يعترف ومن يدعمه بأنه أصبح جزءًا من الماضي. لقد أعطي فرصة (33) سنة و لم يستطع أن يحقق ما يريده خلال هذه الفترة وهو في أوج قوته -وقد جاءته فرص كان بإمكانه أن ينهض باليمن من خلالها- لا يمكن أن يعود الآن إلى سدة الحكم. هو فقط يسيء المخرج، أراد الإخوة في الخليج أن يحسنوا له المخرج لكن استمرارا المشكلات التي يثيرها هي التي ستجعل المخرج الذي يخرج به يليق بعمله هو، كل الحكام عندما تنتهي فترة حكمهم يذهبون ويرتاحون. *هل تعتقد أن علي صالح يريد أن يسوّق نفسه مجددًا بإعتباره قادرًا على إدارة الدولة أفضل من الموجودين حاليًا ؟ هو قال هذا بالفعل، «وضرب لنا مثلًا ونسي خلقه»! هذا الكلام لا يصح بالمنطق؛ لأن القائمين على الحكم الآن لن يحكموا سوى سنتين، وفي وضع انتقالي، والمبادرة الخليجية نصت على ذلك، كما نصت أن يبقى مجلس النواب على ما هو عليه رغم المثالب التي هو عليها، ورغم عدم التوازن بين الممثلين فيه، لكنه سيظل فقط حتى تسير الأمور المتعلقة بالقانون، لكن قراراته كلها بالتوافق، والحكومة بالتوافق، وانتخابات الرئيس بالتوافق هذا ليس وضعًا طبيعيًا ولا ديمقراطيًا، وضع انتقالي نريد أن نصل في نهايته إلى مرحلة الاستقرار. * رفضت كتلة اللقاء المشترك قانون العدالة المقدم من قبل رئيس الجمهورية، ما أبرز ملاحظاتكم على المشروع؟ مشروع قانون العدالة الانتقالية لم يأت بتوافق القوى السياسية، وعبر عن وجهة نظر طرف سياسي واحد ولم يشمل الفترة التي شملها قانون الحصانة، ولم يؤسس للسلم الاجتماعي المنشود ولن يحقق المصالحة الوطنية المتوخاة منه حسب ماورد في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ونتطلع إلى توافق سياسي يجعل القانون ذا جدوى ويحقق طموح كل اليمنيين في معالجة تداعيات وآثار الصراعات السياسية الماضية.