لكل الداعين إلى عدم تضخيم الغرق أو الحريصين على ذكر أن كارثة جدة طبيعية، أن يتذكروا كيف تعاملت سلطنة عُمان بإمكانات تعتبر محدودة مع إعصار يفوق في قوته ما تعرضت له جدة ولا يمكن مقارنة الأضرار بين الحالتين. هذا في العام، أما الخاص فعندما يتحدث مسؤول سيشارك في عضوية اللجنة التاريخية المنتظر منها وضع النقاط على الحروف لا بد من أن نتوقف أمام حديثه. نشرت «عكاظ» حواراً مع رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، وهي عين رقابية لصاحب القرار معنية بما حدث وكيف حدث وتطاولها بحكم الصلاحيات المسؤولية. وفي معرض إجابته على سؤال يقول: «وهل تتفقون معنا على أهمية إعلان من يتم ضبطهم باستغلال السلطة والمال العام والتشهير بهم؟» قال رئيس هيئة التحقيق: «وما أحب أن أشير إليه أن كثيرين يطالبون بالتشهير في كل مخالفة وهذا مطلب، لكن يقابله مطلب آخر وهو أن التشهير عقوبة متعدية لا تقتصر على الجاني فقط، وإنما تتعداه لأسرته وأولاده وبناته وقد يؤثر في جوانب أخرى، فلو شُهّر برجل أعمال مثلاً، فإن ذلك سيؤثر في الشركة التي يملكها أفراد من أبناء الوطن وتنزل أسهمها الى أدنى مستوى، فما ذنب هؤلاء، لكن الجزاء يقتصر على الجاني تحقيقاً لقوله تعالى: «ولا تزر وازرة وزر أخرى». والتشهير بالجاني محكوم برأي القضاء، وهو من يقدر هذه المسائل وما تحققه من مصالح وما تدرأه من مفاسد». انتهى. التشهير عقوبة متعدية، اما الاعتداء على المال العام واستغلال النفوذ والفساد فهما - كما يفهم من الإجابة - غير متعدين على أحد. والحقيقة أنني لمست مثل هذا «الرأي» أو التخريج، من بعض الموظفين حينما أطرح ضرورة التشهير للحد من الفساد، ويتضح بعد ذكره من رئيس الهيئة انه رأي معتبر يتم العمل به حتى لدى القضاء الذي أشار إلى أنه المعني بالتشهير، والدليل انه لم يجر التشهير بأحد من تجار اللحوم الفاسدة والحليب الملوث او لصوص المشاريع والمال العام، وهو تخريج عجيب يضع أهمية لسمعة أسرة يحتمل ان تتضرر، وهو احتمال ضعيف، أو أسهم تسقط أسعارها - عمرها ما ارتفعت – في مقابل أمة كاملة متضررة. أين درء المفاسد هنا المتوقع وقوعها على الوطن او على جماعة كبيرة من أبنائه، في مقابل احتمال ضئيل لتضرر مصالح عدد صغيرمن الناس. وتصدر قرارات عند تطبيق الحدود على الجناة بالأسماء الرباعية فلماذا لم ينطبق عليهم هذا التخريج، واولئك الرشاة والمرتشين الصغار ممن تنشر صورهم. ومثل ذلك الكلام المرسل الذي يقال «القصور وارد». والمؤلم ان هذا «الاجتهاد»، إن جاز التعبير، يشكّل بوابة مشرعة لأن يبقى الحال على ما هو عليه، ولقد رأينا الحال في جدة رأي العين، بل هو في رأيي المتواضع شكل من أشكال «الدفان» الذي جعل الأودية مساكن يقتل فيها المساكين. www.asuwayed.com