لا أعرف سببا وجيها لاستمرارية وزارة الخدمة المدنية في أسلوب «شعثرتها» للموظفين على طول البلاد وعرضها تحت بند الترقيات العظيم الذي يكشف بلا شك أن هذه الوزارة لا تزال حبيسة نظامها الذي لا تريد أن تتخلص منه على الإطلاق.. ولعلي سبق أن عرضت على مجلس الشورى في دورته الرابعة اقتراحا بإعادة هيكلة نظام الخدمة المدنية بقضه وقضيضه، لكونه لم يعد يعكس طبيعة الواقع الاجتماعي/ السياسي/ الاقتصادي للبلد.. لكن ولله الحمد والمنة أسقطه الأعضاء الأحباء لقناعتهم على ما يبدو بأن لا خلل في النظام يستوجب ذلك.. ولعلي فقط هنا أناقش بعضا من الهموم التي يعانيها ما يقارب ال110 آلاف موظف تقريبا.. كثير منهم لا يحصلون على ترقياتهم في وقتها المحدد (4سنوات كما ينص النظام).. هذا بطبيعة الحال يترتب عليه التجميد في الوظيفة، وقد يصل بعضهم للحد الأعلى في السلم للمرتبة، وهو ما يعني الحرمان من العلاوة السنوية لسنة واثنتين وربما ثلات.. إضافة إلى هجولة الموظفين المرقين لمراتب أعلى من مراتبهم، فإما القبول وإلا يتخلف الله فيها.. ما معنى ذلك يا سادة يا كرام؟! معناه ترحيل الموظف ليلاحق ترقيته في شمال أو جنوب أو شرق أو غرب المملكة بكل بساطة بعيدا عن مقر إقامته واستقراره السكني وعلاقاته، وناهيك عن رعاية أسرته والاهتمام بشؤونها خاصة.. وهذا أيضا يترتب عليه نفقات مضافة لإقامة ومعيشة وإسكان ومواصلات الموظف للمنطقة المرقّى عليها وبدرجة تفوق عشرات المرات علاوة الترقية بكل شك.. الغريب يا سادة يا كرام أن وزارة الخدمة المدنية لا تريد أن تفكر في حلول وبدائل لهذا النظام العقيم للترقية وللعلاوات.. لماذا لا يكون هناك نظام للترقيات وفقا لسلم مماثل لسلم التربية والتعليم (15 أو 20 عاما للوظيفة ترقي نفسها بنفسها).. أي وبعبارة أخرى كلما أكمل الموظف أربعة أعوام ينتقل أتوماتيكيا للمستوى الذي يليه وعلاوته مستمرة ولا هجولة بسبب الترقيات، وخصوصا أن هناك موظفين أصبحوا يمضون عشرة أعوام ينتظرون الترقية وعلاواتهم متوقفة وغلاء المعيشة مستعر في البلد.. ما الذي يمنع الخدمة المدنية من تطبيق نفس نظام الجامعات، بحيث تستمر علاوة الأستاذ المساعد أو المشارك ل15عاما علاوته مستمرة ومستقر وظيفيا؟! وما الذي يمنع أن يطبق نظام التربية والتعليم الجميل جدا على موظفي الدولة، بحيث ترقي الوظيفة نفسها بلا دخول في كل هذه المتاهات العجائبية التي لا تريد أن تخرج من إضبارات النظام الأثري للخدمة المدنية وفقها الله.. اليوم مئات الألوف من موظفي الدولة يعانون أكبر معاناة من هذا الأسلوب العقيم وغير المحفّز للموظف الجاد الذي لن يجد إمامه إلا التنازل عن الترقية والبقاء عند أهله حتى وان توقفت ترقيته.. السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يبقى هذا النظام العقيم للخدمة المدنية في البلد مع تنامي مشكلات ومعاناة موظفي الدولة منه، وخصوصا أنهم لا يتمتعون بمزايا التشغيل الذاتي العظيم ولا مكافآت الأطباء، والأدهى والأمر لا يستمتعون بالترقيات الصاروخية لبعض القطاعات الخاصة جدا، والتي لا يكمل فيها الموظف أربعة أعوام إلا وترقيته جاهزة وهو في مقر عمله.. أعمار الناس تمضي، ونظام تحفيز الموظف المنتج أصبح مثل عدمه، فكيف بالله العظيم تطالب موظفا بالإنتاجية والعطاء والوفاء بمتطلبات الوظيفة وهو مغبون في مرتبة لثمان وعشر سنوات بلا علاوة وبلا أية حوافز، وحتى عندما يفرجها رب العباد عليه يرقي لما يوازي آخر مرتب هو عليه في وظيفته السابقة، ودونما أي اعتبار للسنوات والعلاوات التي إضاعتها عليه نظم الترقية البائسة.. أريد أن أعرف ما الذي يمنع الخدمة المدنية من العمل بنظام السلم الوظيفي لنقل لعشرين عاما تستمر فيه علاوات الموظف وهو مستقر في مكان إقامته وبلا هجولة وشغل تحايل على مباشرات وهمية لأسابيع ليعود بعدها الموظف للعمل في نفس منطقته، وكأنك يا بو زيد ما غزيت.. المسألة ليست لغزا يا خدمة مدنية، وليست بالمعجزة إن اشتهيتم حلحلة أوضاع مئات الموظفين. [email protected]