تقلق التقارير الإعلامية التي تناولت تنامي متابعة المسابقات الأوروبية وانحسار رقعتها محليا المهتمين بالشأن الرياضي المحلي، وتثير مجموعة من التساؤلات حول المسببات التي أدت إلى هذا التراجع المريب وما إذا كانت انعكاسا للوضع الذي تعيشه الكرة السعودية أم أنه لطفرة النجوم التي تشهدها الملاعب العالمية، إذ ينقسم عدد من النقاد حول ذلك حيث يحمل عدد منهم الوضع العام لرياضتنا والتشنج الذي يكتنف الوسط الرياضي المسؤولية فيما يرجعه آخرون إلى التطور الذي حدث للرياضة في العالم في مقابل الجمود الذي بقيت عليه الرياضة في المنطقة، وحذروا من خطورة تراجع نسب المشاهدة والمتابعة للمسابقات المحلية السعودية وأن استمرار ذلك سيكون خطرا يهدد الحضور الإعلامي الضخم ما من شأنه التأثير على الموارد المالية التي ارتقت بالأندية. يرجع رئيس تحرير صحيفة الرياضي محمد البكيري أمر تغير ذائقة الجماهير إلى تدني مستوى الكرة لدينا بشكل عام سواء على مستوى الأندية أو المنتخبات وتذبذب مستوياتها من سنوات خلت ويقول لن نلوم الجماهير في ذلك نظرا للتدني الرهيب في مستوى الكرة السعودية فتمكنت هذه الدوريات من خطف مساحة مشاهدة الدوري المحلي بعد توفر القنوات الفضائية التي قربت البعيد ومنحت المسابقات العالمية المختلفة الزخم الإعلامي الذي عزز لفت أنظار الجماهير لمتابعتها عن كثب بل وصل الحال ببعض الجماهير إلى أنها أصبحت تحرص على حضور المباريات العالمية من داخل أرض الحدث لأنها تجد فيه المتعة والتعويض والمستويات الراقية والإخراج المميز بعكس الدوري المحلي الذي فاقت إثارته خارج المستطيل الأخضر ما يقدمه اللاعبون داخله». وأكد البكيري على أن عودة الجماهير مرهونة بما سيجده محليا من متعة وإثارة تكون داخل الملعب واهتمام خارجه من حيث رقي التعامل مع الجماهير وتوفر ما يحتاجونه من أشياء ما زالت تنقص ملاعبنا، وأضاف ربما تكون عودة للاهتمام بالاستحقاقات المحلية قائمة على رفع الأداء من خلال الارتقاء بعطاء اللاعب السعودي وكذلك اختيار العناصر المحترفة الأجنبية التي تصنع الفارق بما تقدمه من مستويات تروي عطش المتابع لتنتقل الإثارة بعد ذلك لداخل الملعب بدلا من خارجه كما هو الحال في هذه الفترة مع ضرورة أن يجد المشجع أقل حاجته داخل ملاعبنا من تعامل راق وخلافه. تطوير الأداء ويقول رئيس القسم الرياضي بصحيفة المدينة عبدالله فلاته حول ذلك «يرجع أمر تغير الذائقة إلى عدة عوامل يأتي من أهمها أن العالم أصبح قرية صغيرة وواحدة بفضل الفضائيات التي دخلت في كل مكان فأصبح المشاهد أمام خيارات متعددة للمتابعة بعكس ما كنا عليه في السابق حين كنا ننتظر وبشغف مشاهدة مباريات الدوري الإنجليزي كل أسبوع يضاف لذلك تدني مستوى اللاعبين ما أثر بالتالي على مستوى المسابقات المحلية بعكس فترة طفرة الكرة السعودية التي كان لتعدد النجوم في الأندية دور هام وفاعل في جلب الجماهير للمدرجات». وأضاف فلاته: من أجل العودة الجماهيرية فلا بد من قيام الأندية بمسؤولياتها تجاههم وكذلك رابطة دوري المحترفين والتي تقع عليها مسؤولية كبيرة من خلال توفير ما تحتاجه الجماهير داخل الملاعب من خلال الارتقاء بالخدمات المقدمة لهم ثم يأتي دور الناقل الحصري للمسابقات المحلية والمتمثلة في القنوات السعودية من خلال برامج ومتابعة يكون لها دور في تفعيل هذه العودة وكل ما فيه راحة الجماهير. واستطرد «كثيرا ما نسمع انتقادات وتوصيات يقدمها قدامى اللاعبين والمدربين الوطنيين والتي تنادي بالخطوات التطويرية للكرة السعودية ولكنها ظلت بعيدة عن التنفيذ على أرض الواقع فمن هنا وجب أن تكون لهم جمعية وتكون لهم اجتماعاتهم وورش عملهم وتوصياتهم والتي يهدف من خلالها تطوير الدوري السعودي مع إمكانية الاستعانة بالمدربين الأجانب العاملين في الأندية للاستفادة من خبراتهم لأجل النهوض بمستوى الكرة السعودية». جذب وتشويق وصادق رئيس القسم الرياضي بجريدة الشرق سعيد عيسى على مجمل ما ذكر وأضاف عادة ما تبحث الجماهير الرياضية عن المستويات الراقية التي تشبع حاجاتها وهذا ما تحقق لها من خلال متابعتها للدوريات العالمية وأعتقد أنه لو خيرت الجماهير بين استحقاقاتنا وما يقدم فيها من مستويات لا ترتقي للمأمول وبين متابعة الدوريات العالمية برغم أن أمر مشاهدتها قائما على استثمار من قنوات فضائية مختلفة فبالتأكيد ستختار الأخيرة». وأضاف: حقيقة يضاف لمستوى الدوري المتدني ما يجده المشجع من قلة اهتمام من حيث توفر ما يحتاجه داخل ملاعبنا من خدمات قد تسهم في تشجيع المتابع على تحمل عناء حضور المباريات التي كفاهم النقل التلفزيوني هذا العناء ولو عقدنا مقارنة بسيطة بين ما يقدم في ملاعبنا وما يقدم في ملاعب دول مجاورة لنا لرجحت الكفة لملاعب الدول الأخرى، فمن هنا كان من الضروري الاهتمام بالجماهير وتوفير الخدمات اللازمة لهم داخل ملاعبنا حتى يجد فيها الراحة وتطمئن الأسر على أولادها عند حضورهم للمباريات». الفوارق الفنية ويرى الكاتب والناقد الرياضي أحمد الشمراني أن للفوارق الفنية دورها ويقول إن لها دورا هاما في عزوف الجماهير عن متابعة الدوري المحلي بالإضافة إلى أن لكل مرحلة جيلها وما يتوافر في وقته من إمكانيات فهذا الجيل ولد على الطفرة التكنولوجية التي تمكنه من متابعة ما يشاء بمجرد الضغط على زر قابلها طفرة كبيرة في الدوريات العالمية أمام بحث المتابع عن المتعة والإثارة، فمن هذا المنطلق أصبحت هجرة الجماهير من الاستحقاقات المحلية إلى متابعة الاستحقاقات العالمية واقعا لا دخل لتغير الذائقة فيها فهي تمثل بالنسبة لديهم متعة واستمتاعا، فمن هنا وجب علينا أن نحترم المتابع ونحترم ذائقته». وأكد على صعوبة إعادة تلك الجماهير قائلا «بصراحة يظل ارتباط المشجعين مع أنديتهم ومع المنتخب السعودي قائما وإن كانت متابعة مقتصرة على الأحداث الهامة فأعتقد أن إعادتهم بشكل تام فيه من الصعوبة الكبيرة التي تتخطى مساحة الأفكار والأعمال والكلمات لأنها في نهاية الأمر ذائقة يجب أن تحترم وألا تصادر». من جانبه قلل رئيس تحرير صحيفة الرياضية سعد المهدي من أهمية تأثير تغير ذائقة الجماهير فقال: القضية لا تحتمل إرجاعها لتغير الذائقة إذا ما راعينا توفر القنوات الفضائية المتعددة والقائمة على الاستثمار والتي أغرت وسهلت للجماهير الرياضية متابعة الدوريات الأخرى والتي أعتقد أنها تمثل له متعة المتابع وإشباع رغبته بمشاهدة كرة القدم بعكس ما كان سابقا عندما لم تتوفر له هذه القنوات فكان الدوري المحلي هو المتابع. وأضاف المهدي: يجب أن تكون نظرتنا قائمة على التحليل بواقعية بعيدا عن ترديد اسطوانة قد لا يكون لها وجود وواقعية فالمشجع السعودي يحرص على متابعة الديربيات المحلية أكثر من العالمية لو حصل وأن تصادفت مع بعضها مع العلم أنه من النادر أن تتصادف مباراة في الدوريات العالمية مع مباراة في الدوري المحلي فمن هنا نكتشف أن المتابع أخذ الدوريات العالمية لمتعة المشاهدة فقط بدليل أنها لا تثير جدلا لديه بعد نهايتها بعكس المسابقات المحلية التي تبقى إثارتها والأحداث المصاحبة لها بين أخذ ورد طويل في مجالسهم وتجمعاتهم». وعن كيفية إعادة الجماهير قياسا بما يجده من تعامل ونقص في ملاعبنا قال: سأكون صريحا وبعيدا عن التنظير الذي لا يفيد، عندما نتحدث عن الجماهير يجب أن نتساءل ونعي.. ماذا قدمته لأنديتها؟ .. فالجماهير لدينا حقيقة أخذت أكثر من حقها قياسا بما تقدمه لأنديتها الذي يعد قليلا والأندية في غنى عنه والشيء الآخر أنه ربما تفوق أضرار تواجد الجماهير لأنديتها فوائد وجودها والأدلة لدينا كثيرة وواضحة والتي كان يجب على هذه الجماهير أن تطبق الشروط في سلوكها ووقفتها بصورة صحيحة مشابهة لما تقدمه الجماهير الأوروبية التي تملأ الملعب كاملا بدلا من كثرة الجدل حول الملاعب والتعامل وقيمة التذاكر والتي أجزم أنها مناسبة وهناك دول مجاورة يدفع المشجع فيها أضعاف ما تدفعه الجماهير السعودية التي تحضر بقلة وتطالب بما ليس بحقها مع أنها قادرة على إجبار كل الجهات على العمل والبحث عن متطلباتها وتكملة نواقصها متى ما كان حضورها موازيا لمطالبها.