حتى وقت قريب كان الدوري السعودي يوصف على أنه الأقوى عربيا، واستمرت هذه الصفة ملازمة له لفترة طويلة من الزمن، وجاء ذلك كنتيجة طبيعية للحضور الجماهيري والإعلامي الكبير الذي كان يشهده الدوري خلال تلك السنوات، مما ساهم في تطور وتقدم الكرة السعودية وجعلها تتزعم القارة الآسيوية سنوات عدة، كانت خلالها المنتخبات والأندية السعودية الرقم الثابت وصاحبة الريادة في كل المحافل القارية. ومع مرور الزمن بدأت العجلة تسير للخلف وتراجعت المنتخبات والأندية السعودية في نتائجها مما سبب الكثير من الألم والإحباط للجمهور الرياضي السعودي، والذي كان طوال تلك السنوات يضرب أرقاما كبيرة في الحضور والدعم، عكس ما تشهده ملاعب كرة القدم السعودية في الفترة الأخيرة من عزوف ملحوظ من قبل الجماهير ساهم بشكل كبير في خسارة الأندية السعودية نصف مقعد في بطولات آسيا، ويظل السؤال الأبرز لماذا كان هذا العزوف الجماهيري عن حضور المباريات؟ هل لنتائج المنتخبات والأندية السعودية دور في ذلك؟ أم أن بيئة الملاعب وافتقارها لأبسط المقومات التي تحفز الجمهور على الحضور كان السبب؟. «عكاظ» التقت بشريحة من الجمهور الرياضي لمعرفة الأسباب الحقيقية لهذا العزوف. لا توجد حتى قطرة ماء في البداية يقول المشجع ريان الحارثي عن هذا العزوف بأنه نتيجة طبيعية لما يجده الجمهور من سوء خدمات تقدم لهم أثناء حضورهم للمباريات: «هل يعقل أن يبحث المشجع عن قطرة ماء وسط آلاف الجماهير، هناك نقص واضح في المواد الغذائية، إضافة إلى غلاء الأسعار وسوء الأطعمة المقدمة للجمهور، لذا فضلت أن أتابع المباريات من خلال شاشة التلفاز بكل راحة وفي جو يشجع على المتابعة، ولن أعود للمدرجات طالما ظلت ملاعبنا بمثل تلك الخدمات الرديئة». المقاعد مشكلة المشجع صالح الغامدي اتفق معه في الرأي حيث يرى أن الجماهير هجرت الملاعب بسبب البيئة التي تعتبر غير جاذبة، «عندما نشاهد الدوريات العالمية من حولنا والإمكانات الكبيرة لتلك الملاعب ونشاهد المعاناة الكبيرة التي يتكبدها الجمهور لدينا من سوء الخدمات والتنظيم ، إضافة إلى أننا نحضر منذ وقت مبكر حتى نتمكن من الحصول على مقعد مناسب، نشعر بالأسى، فهل يعقل أن تكون المقاعد في ملاعبنا دون ترقيم، هناك معاناة شديدة نعانيها نحن المشجعون بمجرد مغادرتنا مقاعدنا لأي سبب كان حيث نتفاجأ عند عودتنا لها أنها قد ذهبت للغير، فكيف نطالب الجماهير بالحضور للملاعب ومسؤولوها عاجزون عن توفير البيئة الجاذبة لهم. سوء وغلاء ومن جهته يرى المشجع مازن المسعود بأن الملاعب لدينا لا يوجد فيها ما يشجع للحضور فعندما تريد الحضور لملعب المباراة عليك أن تحضر قبلها بعدة ساعات وإلا فلن تستطيع الدخول إلى الملعب، إضافة إلى سوء تخزين الأطعمة والمشروبات التي تباع والمبالغة في أسعارها بشكل غير مبرر. وأبان المشجع فهد عبد الرحمن أن هناك عدة أسباب ساهمت في عزوف الجماهير عن حضور المباريات من أهمها التشبع لدى الجمهور الرياضي من خلال ما يتابعونه في الدوريات العالمية والفارق الكبير بينها وبين الدوري السعودي، وكذلك ضعف مستوى الأندية السعودية في الآونة الأخيرة، وغياب النجوم عن مستوياتهم الحقيقية. فيما أشار المشجع نادر الزهراني الى أن الجماهير ملت من سوء الملاعب والخدمات المتواضعة فيها، «من غير المعقول أن لا يجد الجمهور دورات مياه نظيفة، إضافة إلى قلة عددها، وهناك أمر مهم للغاية وهو أن الجمهور يريد عوامل محفزة للحضور» ويضيف «للأسف نفتقد لكل تلك العوامل، مما ساهم في عزوف الجماهير، ولعودتها لابد من عمل كبير حتى تتوفر البيئة الجاذبة لنا كجماهير». أخيرا أشار المشجع يحيى القحطاني إلى أن العزوف الجماهيري نتيجة طبيعية لما يجده من سوء الخدمات المقدمة في الملاعب، بالإضافة إلى أن غالبية الشباب أصبحوا مولعين بالأندية العالمية أكثر من الأندية السعودية وهذا الأمر أصبح سائدا في الفترة الأخيرة . الدكتور مراد: المحفزات تعيدهم في الجانب النفسي يقول أخصائي الطب النفسي الدكتور مراد أحمد أن النفس البشرية بطبعها تبحث دائما عن الجو المناسب لها لتقديم عمل مثالي، «على سبيل المثال نجد أن الموظف الذي تقدم له الحوافز والمكافآت يحرص على الالتزام بالعمل بل يتفانى فيه، وذلك لأنه وجد التقدير والحفاوة من جهة عمله، فكيف بالجمهور الذي يبحث عن المتعة وقضاء وقت فراغه بشيء يميل إليه فنجده يتجه بمحض إرادته إلى الملعب فيصدم بالواقع المتمثل في ضعف الإمكانات وسوء الخدمات، إضافة إلى التعامل الجاف الذي يجده، فكل هذه العوامل تساهم بشكل كبير في الغياب القسري للجماهير عن الملاعب، كما أن النفس بطبعها تبحث عن الاحترام والتقدير والبيئة المناسبة للتفاعل معها، ولكن المعوقات الموجودة حاليا في الملاعب تعتبر سلبية وأثرت بشكل كبير على الحضور الجماهيري، وبكل تأكيد ستعود الجماهير إلى الملاعب بمجرد زوال كل هذه المعوقات ووجود الحوافز». دياب: قريبا سنعيد الجماهير وعلى صعيد المسؤولين وصف رئيس لجنة الإعلام والإحصاء في الاتحاد السعودي لكرة القدم أحمد صادق دياب غياب الجمهور عن حضور المباريات بالأمر المزعج، وأنه لا قيمة لأي مسابقة رياضية دون وجود الجمهور الذي يعتبر الرقم الصعب في أي منافسة، ويضيف «نحن نتطلع خلال الأشهر القريبة المقبلة، إلى زوال كل المعوقات التي تسببت في غياب الجمهور الرياضي عن الملاعب، ويجب أن نتحدث بصراحة ونعترف أن بيئة الملاعب تحتاج إلى الكثير من العمل لتصل إلى المستوى الذي يغري الجمهور بالحضور، وهذا ما تقوم به كل الجهات ذات العلاقة بشكل متواصل من أجل أن يعود الجمهور للملاعب فالجمهور ملح كرة القدم وبدونه لا طعم لها، وقريبا بإذن الله ستسعد الجماهير الرياضية السعودية بتطوير كبير يشمل جميع الملاعب.