لن يكون اللقاء القادم للمنتخب السعودي الشاب أمام المنتخب الإندونيسي لقاء سهلا كما أن نتيجته لن تكون مضمونة على الإطلاق.. بالرغم من فوزه مساء أمس الأول بأول لقاء له في التصفيات الآسيوية المبكرة في جولتها الأولى على المنتخب الصيني بهدفين مقابل هدف واحد.. والأسباب في أن مباراته القادمة في جاكرتا لن تكون سهلة..كثيرة وعديدة ويجب أن نستوعبها ونعرف كيف نتعامل معها.. ونستغل فترة شهر كامل تفصلنا عن هذا اللقاء المصيري الهام.. أقول المصيري لأن بدايتنا المشجعة أمام الصينيين يجب أن تتحسن وتتطور وأخطاءنا الكثيرة التي ظهرت في هذه المباراة يجب أن تعالج.. وثغراتنا الواسعة أن تسد.. وتغلق.. تجنبا لأي تعثر مبكر لنا منذ الجولة الأولى (لا سمح الله).. وكما قلت.. فإن في مقدمة تلك الأسباب التي يجب التخوف منها هي: أولا: فوز المنتخب العراقي الصعب على المنتخب الإندونيسي يوم أمس الأول بهدف يتيم مقابل تقديم الإندونيسيين لمستوى رفيع جعلهم في نظر المراقبين الأولى بنقاط المباراة الأولى في هذه التصفيات. ثانيا: مستوى الأداء العام لمنتخبنا أمام المنتخب الصيني ولا سيما في الشوط الثاني من المباراة مقابل استحواذ الصينيين على الكرة أكثر فترات المباراة واقترابهم في الدقائق الأخيرة من التعادل معنا نتيجة الارتباك الشديد لجهازنا الفني في التغييرات الدفاعية الأخيرة والمبالغ فيها.. بدءا بخروج الكابتن (تيسير الجاسم) الذي كان اللاعب رقم (1) في المباراة.. وانتهاء بإدخال (أحمد عسيري) و (حسن معاذ) على حساب الوسط السعودي المتمكن والمجيد. ثالثا: أن المباراة القادمة ستجري على ملعب الخصم وبين جماهيره وبعد هزيمته الأولى أمام العراق. ونحن نعرف ماذا يكون حال المباراة التالية لفريق خسر مباراته السابقة وأصبح مصيره مهددا بالرحيل من البطولة الآسيوية من الأدوار المبكرة. رابعا: وجود ثغرات حقيقية واسعة في منتخبنا سواء في منطقة وسط الدفاع بغياب (أسامة المولد) أو في الطرف الأيمن لغياب الجناح المتمكن من جهة وعدم الاستقرار على لاعب معين لشغل هذه المنطقة بكفاءة كافية. خامسا: غياب الهوية الواضحة المعالم والقسمات (كما أظهرت المباراة الأولى ذلك) والسؤال الآن هو: هل سيكون التوجه هو بناء منتخب قوي ومتجانس يلعب بخطة واضحة وموحدة في جميع المباريات أو أن التوجه هو تغيير الخطة تبعا لطبيعة الفريق المقابل وحسب نقاط القوة والضعف به.. وبهذه المناسبة.. فإنه لا بد أن أوضح الفارق بين الخطة والطريقة (هنا).. لأن هناك خلطا كبيرا عند الكثيرين بينهما.. وأخشى أن يكون هذا الخلط موجودا حتى لدى الجهاز الفني المشرف على المنتخب مع معرفتي بأن أكثرهم من المتمرسين والملمين بهذه المبادئ الأساسية في كرة القدم.. ومع هذا فإن التوضيح يقتضي القول.. إن خطة الفريق تظل ثابتة ومستقرة وغير قابلة للتغيير لأن ثباتها يعني نجاح بناء المنتخب واستقرار التشكيلة الأساسية وتوزيع الأدوار على اللاعبين بإحكام تحقيقا للتجانس المطلوب.. وخلق روح العمل الجماعي بين أفراد الفريق. أما الطريقة .. فهي أسلوب اللعب داخل الملعب في كل مباراة على حدة.. وهي تتشكل أثناء مجريات المباراة بإتقان شديد لا يتعارض مع أصل الخطة وطبيعة الأدوار الرئيسية لعناصرها الأساسية.. تحقيقا لأعلى درجة من الانضباط في الخطوط الثلاثة.. وتكامل أدوار اللاعبين وسط الملعب.. وعدم ترك مسافة كبيرة بين خطوط الفريق.. وتوفير الحد الأعلى من الحضور الذهني عند اللاعب وسرعة تبادل المراكز في الوقت وفي المكان المناسبين وتغيير اللعب من اليمين إلى اليسار وبالعكس.. ومراقبة بعض العناصر المؤثرة في الفريق الآخر بعناية شديدة.. وعدم تمكين لاعبي الخصم من الكرة والانقضاض عليه وعليها قبل تمريرها إلى زميله وإحكام الالتحام معه.. وإجادة الارتقاء عند الضرورة وتغيير أسلوب اللعب وفقا لمجريات المباراة من اعتماد التمريرات البينية القصيرة.. إلى التحول المفاجئ إلى الكرات الطويلة والمتقنة أو إلى اللعب على الأطراف في وقت أو حصر الكرة في وسط الملعب في وقت من الأوقات حسب ضرورات اللعب.. كل هذه التصرفات يمارسها الفريق المتمكن بعد تدريبات شاقة عليها بما في ذلك طريقة التصويب للكرات الثابتة والكرات الركنية.. أو الكرات الساقطة من الأطراف أو التصدي «للبنالتي» وتوجيه الكرة إلى مرمى الخصم.. متى توجه يمينا.. ومتى ترسل يسارا متى تكون أرضية.. ومتى تكون علوية.. وفي أي زاوية تقذف.. تبعا لخبرة اللاعب المتمكن وطبيعة الحارس المقابل وقدراته ومهاراته وخبراته وطوله وقصره أيضا.. لذلك أقول.. إن أولى مهام المدرب «لوبيز» منذ اليوم هي: (1) ضمان أعلى مستويات الجاهزية للاعبين المتاحين.. بعيدا عن الإصابات. (2) ضمان أعلى مستويات التقارب الفكري بين عناصر المنتخب..لأن الاختلاف البين بين لاعبي الخبرة وبين الوجوه الجديدة قد يجعل المدرب في حيرة شديدة: هل يختار اللاعب الخبير والمتمكن وإن لم يكن جاهزا من الناحية اللياقية أو الصحية بدرجة كافية أو يختار اللاعب الصغير الجاهز بطموحه وحرصه على إثبات وجوده وإن نقصته الخبرة رغم جاهزيته اللياقية والصحية.. أو هل يختار خليطا من هؤلاء وأولئك وكيف يضمن ساعتها مستوى التجانس المطلوب رغم الاختلاف الكبير في التفكير.. وفي هذا الصدد فإن المدرب هو الشخص الوحيد الذي يتخذ هذا القرار.. ويتحمل مسؤوليته لأنه من حيث المبدأ فإن الجمع بين ميزتي الخبرة وحيوية الشباب هو الأساس في الاختبار بشرط واحد هو أن ينجح المدرب في تحقيق الدمج المطلوب لهما في طريقة التفكير وتقريب أساليب اللعب وطريقة التصرف في الملعب بما يحقق الحد الأعلى من التعاون.. وإلا فإن الفريق سيظهر داخل الملعب وكأنه فريقان وليس فريقا واحدا. وإذا صعب على المدرب تحقيق هذا الدمج الفكري بين الخبرة والحيوية فإن الاختبار للعنصر الجديد وصقله وإشراكه في أكبر عدد من المباريات واستمرار الثقة به كفيل بتحقيق العائد الأفضل على المدى الزمني المتوسط. (3) إصلاح نقاط الضعف في خطوط الفريق الثلاثة ولاسيما في منطقة متوسطي الدفاع.. بعد أن وضح عمق الفجوة بين «الهوساوي» و«كامل» في المباراة السابقة.. وتردد الظهير الأيمن «سلطان البيشي» بين الثبات والتقدم لمساندة لاعب الوسط المتقدم على الطرف الأيمن «سلمان الفرج» نتيجة غياب مهمة توزيع الأدوار بعناية بين كل من الظهير الأيمن والجناح أمامه.. متى يتحرك الظهير أماما ومن يقوم بمهمة تغطيته في الخلف في هذه الخانة.. ومتى يتراجع الجناح الأيمن إلى الخلف ليستلم الكرة من الظهر أو من اللاعب المحور ويبدأ الهجمة على الطرف الأيمن ويشكل بها خطورة على دفاع الخصم.. ونفس الإشكالية رأيناها في منطقة الوسط.. فقد لعب المدرب بكل من (كاريري) كمحور متأخر شبه ثابت.. وأمامه «مصطفى بصاص» كمحور أكثر تحركا.. وأمامهما لعب «تيسير الجاسم» كمحور حر وطليق وعلى يمينه «سلمان» وعلى يساره «فهد المولد». هذا التشكيل وإن أدى ما هو مطلوب منه في حدود خطة اللعب الشاملة.. إلا أن درجة التفاوت في مستوى الأداء بين أفراد منطقة الوسط كان كبيرا.. فقد كان «كاريري» كعادته صلبا وقويا في منطقته المركزية.. لكن «مصطفى» وجد نفسه أكثر ميلا إلى التقدم ومساندة الهجمة.. ودعم جهود تيسير الموفقة.. وهو وإن نجح في ذلك مع تيسير في الوصول إلى مرمى الصين ومرر كرة الهدف الأول القاتلة إلى «المولد» بإتقان..إلا أن دوره الأساسي كمحور متأخر نسبيا كان شاغرا في بعض أوقات المباراة حيث وجد كاريري نفسه وحيدا أمام (3) لاعبين صينيين في وقت واحد.. وفي الوقت الذي استفاد تيسير من تقدم مصطفى لمساندته في تحريك هجوم المقدمة.. إلا أن الناحية اليسرى التي كان يشغلها «فهد المولد» هي التي كانت تعمل بالدرجة الكافية والمطلوبة.. بمهاراته العالية وسرعته الكبيرة وانطلاقاته المتكررة نحو المرمى الصيني.. في الوقت الذي لم يكن الطرف الأيمن (سلمان) على نفس درجة الحضور الذهني لأسباب غير معروفة رغم تميزه المعروف في الهلال في هذه المنطقة.. وإن كان الدور الأنسب لقدراته وإمكاناته وصفات الالتحام والتحرك لديه هو اللعب كأحد المحاور الأساسية المساندة لخط الظهر مع التحرك أماما عند الضرورة.. وهي المنطقة التي شغلها مصطفى رغم إمكاناته الأقرب إلى المحور المقدم كما أسفلنا.. وكنت أتوقع من المدرب أن يغير (سلمان) رغم إعجابي الشديد به وبصلابته.. أو يبدل المركزين بينه وبين (مصطفى بصاص) وإن كان وجود بصاص خلف المهاجم الصريح وقريبا من تيسير أفضل بكثير من إرساله إلى منطقة الطرف الأيمن.. وفي هذه الحالة.. فإن كان بإمكان المدرب لوبيز أن يستبدل (سلمان) ب(يحيى الشهري) أو أن ينقل (فهد المولد) إلى الطرف الأيمن ويأتي ب(حسين المقهوي) في مكانه لتحقيق التناغم المطلوب.. لكن المدرب فاجأ الجميع بتغييرات دراماتيكية وبالذات عندما أخرج تيسير.. وحول الفريق كله إلى منطقة تكدس دفاعية عندما أنزل دفعة واحدة كلا من أحمد عسيري وحسن معاذ.. دون أدنى مبرر لكل هذا الحشد «الفوضوي» في منطقة كانت تعمل بشكل جيد وإن كان بها بعض الاختلال في منطقة قلب الدفاع فقط.. وكان عليه أن يخرج كامل ويدخل العسيري لا أن يخرج تيسير.. وسلمان.. وينزل حسن معاذ بالإضافة إلى العسيري الأمر الذي شل الوسط.. وأربك الفريق وجعله يتحول إلى مسرح لهجمات صينية مكثفة كادت تأتي بالعيد (كما يقولون).. هذا الارتباك لا نريده.. ولن نقبله لا من المدرب «لوبيز» ولا ممن أشار عليه به لسببين اثنين هما: أولا: أن المنتخب السعودي لا يجيد اللعب مدافعا حتى في أسوأ الظروف.. وذلك هو حال الكرة العالمية التي تخلصت من الخطط الدفاعية العقيمة.. ولم تبق في الساحة إلا إيطاليا فقط. وثانيا: أن الزيادة العددية في الدفاع على حساب الوسط تفرغ أخطر منطقة في الفريق ويضطر الهجوم للتراجع للمشاركة في الخطة الدفاعية بظن منه أنه يغلق الطريق أمام الخصم.. في الوقت الذي تقتل فيه الهجمة في فريقه.. وإبقاء الفرصة لهجمات مرتدة سريعة تغير مجرى اللعب. ونحن إذ نحذر من اللجوء إلى نفس الأسلوب في المباراة القادمة وسواها.. لكن المنطقة الأضعف في كل الفريق ظلت هي غياب «المهاجم الصريح» لأن ناصر الشمراني كان تائها طوال المباراة.. وكانت المسافة بينه وبين وسط الملعب كبيرة.. فلا تيسير ومصطفى وجداه قريبا منهما لاستلام الكرة والانطلاق بها نحو المرمى الصيني.. ولا هو عرف أين وكيف يتحرك بين المدافعين الصينيين فيربكهم ويوفر فرصة لهجوم المؤخرة بالتقدم وغزو المرمى.. ولا هو سدد من أي منطقة استلم الكرة فيها.. ولذلك فإن تغييره كان منتظرا.. عندما حل محله (نايف هزازي) وهو الذي كنت أتوقع أن يبدأ المدرب المباراة به. لولا أن وجود (نايف) يتطلب جناحين يجيدان رفع الكرات العالية فوق رأسه ويتبادلان المراكز معه بسرعة.. وهذا لم يتحقق بدرجة كافية..وأدى إلى بذل نايف جهدا مضاعفا حقق معه الهدف.. بالرغم من أن دخوله إلى الملعب لسوء حظه قد ترافق مع خروج «تيسير» من وسط الملعب وإلا لكانت خطورته أكبر. وإذا كان هناك ما أقترحه على المدرب لبدء الإعداد الجيد للمباراة القادمة فهو: (1) إحلال (أسامة المولد) إلى جوار (أسامة هوساوي) في منطقة وسط الدفاع. مع السماح للظهير الأيمن بالتقدم لمساندة الهجوم بين وقت وآخر.. (2) إشراك لاعب النصر (إبراهيم غالب) إذا كان جاهزا للعب كمحور ثان إلى جانب كاريري وتقديم (مصطفى بصاص) إلى جانب تيسير الجاسم لدعم هجوم المقدمة (نايف/ فهد). (3) تجهيز كل من (حسن معاذ) للحلول محل الظهير الأيمن.. أيهما أنسب لطبيعة مجريات المباراة ودعم الهجمة.. على أن يتولى أسامة المولد تغطيته في حالة التقدم أماما. (4) يمكن الاستعانة أيضا وعند الضرورة ب( ياسر الشهراني) للعب في منطقة الظهر الأيسر لتحريكها مقابل أن يلعب فهد المولد كجناح أيمن.. ويتبادل المراكز مع (نايف) بالسرعة الممكنة عند الضرورة.. لكن الأهم من كل ذلك، كما قلت في البداية هو أن يستقر المدرب على خارطة لعب يثبت عليها.. ولا يكثر من التغييرات ولا يلجأ للدفاع المكثف أبدا .. أبدا.. أبدا.