لم تكن تريد يوما أن تكون شاعرة، ولم تكن تريد التوقع أنها ستدخل في منافسة على جائزة عالمية، إلا أن هذا ما حصل مع الروائية اللبنانية جنى الحسن. فمن حلم (الكتابة) الذي راود طفولتها، مرورا بحالة الاكتفاء التي شعرت بها بعد ولادة روايتها «انا هي والأخريات» وصولا إلى الحقيقة التي فرضت اسمها على اللائحة القصيرة لجائزة بوكر. كان ل«عكاظ» معها هذا الحوار: أشار رئيس لجنة التحكيم الدكتور جلال أمين أن اختيار الأعمال هذا العام استند إلى المعايير الأدبية قبل أي شيء، ما أبرز المعايير الأدبية التي تتمتع بها رواية جنى الحسن والتي مكنتها من أن تكون بين الروائيين الستة على القائمة القصيرة لجائزة بوكر؟ لا أريد أن أبدو كأنني في صدد الإشادة بالرواية، لكل قارئ أو ناقد معاييره الخاصة في تقييم النص والحكم عليه. بالنسبة لي على الصعيد الشخصي، حاولت في «أنا، هي والأخريات» أن أكون مخلصة للأدب، الأمر الذي يتطلب أن أعيد كتابة الرواية بعد الوصول إلى أكثر من نصفها وأن أعطي أهمية كبيرة للغة وأسلوب السرد. حاولت أيضا أن أكون صادقة في التعبير عن شخوص الرواية إلى حد تقمص وتلبس حيواتهم لأفهمها ولأبتعد عن إصدار أحكام عليهم في سياق سرد حكاياهم. لقد أردت أن أكتب في الرواية عن الخيانة في الدرجة الأولى والبحث عن أسبابها، ثم وجدت نفسي أروي خياناتنا لأنفسنا، لأحلامنا، وأروي المشترك بيننا في مجتمعات القهر والكبت والاضطهاد، وهذا بالنسبة لي ما قرب الرواية من الناس في الدرجة الأولى. البعض اتهم لجنة تحكيم بوكر هذا العام بأنها اعتمدت لغة انطباعية في اختيار الأعمال الروائية ولم تعتمد لغة نقدية، ما صحة هذه الانتقادات؟ لنفترض أن هذا الأمر صحيح. الانطباع هو الأثر، والأثر الذي يتركه أي عمل أو فرد هو خير دليل على أهمية هذا الفرد أو العمل. إن مررت بشيء لم يخلق عندك أي انطباع أو أثر بك فهو لا قيمة له بالنسبة لك، وعلى العكس إن ترك فيك العمل أو الفرد أثرا، فهذا يكسبه أهمية تتفاوت درجتها بحسب عمق الأثر. ومن هنا، الانطباع مهم جدا. وما هي اللغة النقدية أو حتى معايير النقد؟ هذه المعايير متقلبة وغير ثابتة، إلا إذا كان النقد غرضه التجريح والرفض فحسب من دون الاستناد على أمر آخر. المؤسف أن غالبية من ينتقد الجائزة الآن لم يقرأ الأعمال المطروحة فيها لأن النقد لم يتوجه إلى بنية عمل ما أو أسلوبه السردي أو جوهر القصص. لذا هذه الانتقادات لا معنى لها إن لم تستند إلى شواهد وتقترن بإثباتات من الأعمال ذاتها. الإنسان موجود ليشكك وينفتح على احتمالات جديدة في الحياة ويتجدد وليس ليرفض الانفتاح على جيل معين أو حكايا جديدة. كروائية شابة، كيف تواجهين النقد الذي طاول الروائيين الشباب الذين تصدروا القائمة القصيرة بوكر بحيث غابت عنها لأول مرة أسماء كبيرة؟ كل ما تم تداوله هو حالة من التحجر والرفض للتجدد ولإعطاء أسماء جديدة فرصتها. والتحجر هنا نابع من حنيننا في المجتمعات العربية إلى الانجراف وراء الهالة المحيطة بالأشخاص. غدا، سنكبر نحن أيضا، الكتاب الشباب الآن، وستأتي أجيال جديدة لتعبر عن أفكر غير أفكارنا أو حتى عن أفكارنا لأساليب مختلفة. الأسماء الكبيرة نفسها لم تعبر عن استياء أو غضب إزاء خيارات اللجنة. أظن أن الإعلام هو من يخلق كل هذا اللغط بدلا من التوجه إلى العمل وتقييمه كعمل. فهل العمل الجيد مرتبط بعمر معين؟ بين الشعر والرواية والترجمة كيف ولدت روايتك (أنا، هي والأخريات)؟ أنا أكتب بعض الشعر الحديث ولكني لم أكن أريد يوما أن أكون شاعرة. الترجمة هي في سياق العمل اليومي لتأمين المعيشة والصحافة أيضا، وذلك لا يلغي الشغف تجاه أي عمل أزاوله. لكن الرواية بالنسبة لي كانت دوما حلما منذ الصغر. وعندما قررت أن أكتب (أنا، هي والأخريات)، كنت بدأت أشعر أن تجربتي في عالم الكتابة أصبحت أكثر نضجا وكان من الضروري أن أتحدى نفسي لأحقق أحد أحلامي، وهو أن أكتب رواية جيدة. الرواية تحديدا أفق مفتوح تخول الكاتب أن يخلق عالما موازيا للواقع الذي يعيشه، سواء استمد الكاتب الحكاية منه أو تخيلها، أو حتى جمع بين الاثنين. انخرطت مع شخوص روايتي في عالمهم وابتكرناه معا فأتى مجسدا للواقع، وليس واقعا محددا أي بمعنى المكان والزمان، بل الواقع العربي القمعي والهم الإنساني المشترك بين معظم الأفراد. هل كنت تتوقعين أن تكون من الروايات المنافسة على جائزة عالمية؟ كنت أحاول ألا أتوقع شيئا، فالتوقع لم يكن ليغير شيئا في الترشيح أو عدمه. الهم الأساسي كان تقديم عمل جيد يرضيني أولا على الصعيد الشخصي ويشعرني بالاكتفاء. وكنت أشعر بالفرح عندما يخبرني أحد القراء أن الرواية عبرت عن شيء في داخله، لأني أنا أيضا قارئة في الدرجة الأولى، وتأثرت بالكثير من الروايات والكتابات في مختلف مراحل حياتي، وأعي بالتالي أهمية الأمر. ما مدى مصداقية بوكر باعتقادك؟ وهل هي بمنأى عن المحاصصة والمجاملة والتوزيع الجغرافي؟ خاصة مع غياب روايات الربيع العربي بشكل لافت هذا العام؟ لم يكن هناك أي تواصل مع الأمناء على الجائزة وقد علمت بترشيحها ضمن اللائحة الطويلة عبر الإعلام، وليس بشكل مباشر من المشرفين على الجائزة. كذلك الأمر عند إعلان اللائحة القصيرة. ومن هذه التجربة تحديدا، أؤمن بمصداقية البوكر. لو كان للأمر ارتباطات أخرى غير العمل، ربما لم يكن الخيار ليقع علي.. واللجنة قدمت توضيحا عن خياراتها. أما بالنسبة للربيع العربي، فأنا أساند وجهة النظر التي تقول أن تجربة الكتابة عنه تحتاج المزيد من الوقت. الأدب ليس مجرد انفعالات، بل يحتاج إلى مسافة لنرى الأمور من الخارج وليس فقط من الداخل. الذاكرة تحتاج إلى قليل من الراحة قبل أن يستطيع المرء أن يضع الذكريات في موضع التحليل والاتجاه إلى أبعد من الغضب أو الرضى. يقال إن ما حققته بوكر من إشعاع للرواية العربية يغفر لها إخفاقاتها القليلة. هل توافقين هذا القول؟ وبرأيك ماذا تضيف هكذا جائزة للكاتب؟ أو لجنى الحسن في حال فازت روايتها؟ لقد حققت البوكر الكثير للرواية العربية، وفتحت لها نافذة مهمة إلى العالم، نافذة يحتاج الكاتب إليها لكي يؤمن الانتشار إن كان عمله جديرا بذلك. الجائزة تضيف للكاتب التقدير المعنوي قبل كل شيء لجهوده. من المؤسف أن الكتاب والمفكرين في العالم العربي لا يحصدون أي فرصة للظهور والتعبير عن آرائهم والدفاع عنها.