ليس من اليسير الحديث عن باكستان، وليس من العسير البحث فيها، فهذه الدولة الإسلامية النووية الفقيرة تعاني اليوم من قلق سياسي، فهي تعيش مخاضا لا يمكن التنبؤ معه بالمولود. لقد أفرزت العولمة بتداعياتها الثقافية، وسبل الاتصال الإلكتروني إلى الساحة قوة جديدة إلى جانب السياسية والعسكرية والقضائية هي قوة رجال الدين الذين أصبح لهم القدرة على تحريك الأنصار وقت ما يشاؤون وكيفما يريدون. فالسياسيون يشككون في وقوف الجيش والقضاء على الديمقراطية، إما بإسقاط الحكومة أو تأجيل الانتخابات، فالقيادة السياسية ينخر في حزبها الحاكم الفساد، مما يشكل صعوبة لتحديد اتجاه مؤشر الديمقراطية، فمعدلات الفقر ارتفعت والأزمات الداخلية تفاقمت. وسط هذا الواقع ظهر رجل الدين طاهر القادري الذي أطلق المسيرة من لاهور إلى إسلام أباد، وانتهت باعتصام أمام البرلمان، في تزامن مع قرار رئيس المحكمة باعتقال رئيس الوزراء برويز وانصاعت الحكومة ووافقت على حل البرلمان، واستقالة الحكومة الحالية، وتعيين حكومة مؤقتة تشرف على الانتخابات، واقتضى ذلك تعديل القوانين الانتخابية وتغيير اللجنة. لم يعترض أحد على عدالة مطالب القادري، لكن الوسيلة كانت صادمة للسياسيين، لأن باكستان دولة مؤسسات ويصعب قبول مثل هذه الممارسات التي تفتح الطريق على العنف في دولة يحكمها القانون، وهذا ما أثار الشكوك في أن القادري لا يتجاوز أن يكون ورقة من أوراق الجيش بعد أن تحالف الجيش مع القضاء، فهل اعتمد الجيش القوة الناعمة في الانقلاب بدلا من الأسلوب العسكري التقليدي عندها يعمد إلى إدارة الدولة بالاستشعار عن بعد ؟ وهل تطور الوعي الديني والحضاري لدى الشعب الباكستاني فأخذ اليوم يؤثر في السياسة بشكل مباشر ؟ منذ أربعين عاما ونيف كان علي الشاعر ملحقا عسكريا في الباكستان، وجاء بأبيه الشيخ حسن الشاعر شيخ القراء من المدينةالمنورة للزيارة، وسمع به الباكستانيون وجاؤوا إليه زرافات ووحدانا للسلام عليه، وتجمعوا حول السكن ونصبوا الخيام، فجاء أحد أصدقاء علي الشاعر وهمس في أذنه قائلا: «عليك أن تعيد أباك إلى المدينة الليلة، فإنهم سوف يقتلونه ويبنون له ضريحا»، فما كان من الفريق إلا أن أعاد والده، لهذا فإن قواعد اللعبة تتغير بتغير ثقافة اللاعبين.