إذا ما أتى يوم يفرق بيننا بموت، فكن أنت الذي تتأخر!! قد يبدو هذا البيت مجسدا منتهى الفداء للحبيب، معبرا عن عمق المشاعر، فصاحب البيت (الأقرع بن حابس) يدرك أن الموت في انتظار الأحياء لا مفر لهم من تجرع كأسه، وأنه ومن يحب، حتما صائران إلى الموت يوما ما، إلا أنه لفرط حبه للحبيب يظل يرجو أن يسبق الموت إليه هو فلا يموت الحبيب قبله!! هذا ما يبدو ظاهرا من معنى البيت، أما المضمر في باطن النفس، والذي ربما كان خافيا حتى عن الشاعر نفسه، فهو أن هذه الرغبة في أن يسبق الموت إليه قبل من يحب، ليست رغبة من أجل أن يتمتع الحبيب بالعيش والبقاء فقط، وإنما هي تحتوي ضمن ذلك الرغبة في نشدان الراحة للقلب عندما يتفادى الفجيعة في موت الحبيب، فالشاعر يعرف أن من ينتزعه الموت، يغادر لا يعنيه من أمر هذه الدنيا شيء، أما من يبقى فإنه هو الذي يظل يتلظى بجمر الحسرة ويتجرع القهر يسري في أحشائه سما محرقا. رغم أن الموت رافق الناس منذ أن عرفوا الحياة، إلا أن هذه الرفقة الطويلة لم تستطع أن تمحو شيئا من قبحه في عيونهم أو أن تهون من شأنه في قلوبهم أو تخفف من جزعهم عند وقوعه، فهم أبدا في حزن والتياع بسبب الموت. الناس برغم أنهم يعرفون عقليا أن الموت حق وأن كل حي منته إليه، إلا أن معرفتهم تلك لم تحل بينهم وبين الفزع منه والتوجع عند حلوله، إنها الغريزة البشرية فيهم والعواطف التي لا تخضع لعقل!! حين تشتد لسعات الموت على الأحياء تكويهم بنارها، يسعى المؤمنون منهم إلى تبريدها بالتذكير بفناء الدنيا والاستهانة بها وأن الخلود في الحياة الأخرى هو الغاية لمن آمن وعمل صالحا، هم يرددون ذلك بألسنتهم وتدركه عقولهم ويستشعرونه بإيمانهم، لكنه مع ذلك لا قدرة له على شطب أحزانهم وغسل لوعاتهم وإطفاء الحرائق في صدورهم!! ومن الحق المبين أن المؤمنين يعينهم إيمانهم على مواجهة مصيبة الموت بقوة أكبر من غيرهم، وأن درجة القوة تزيد وتنقص عندهم بحسب درجة الإيمان في قلب كل منهم، فالإيمان له فاعلية السحر في بث الطمأنينة قي النفس وتهدئة القلب، فتسكن الروح تسليما بقضاء الله وقدره، ويمتلئ الصدر رجاء بأن يعقب الصبر على قضاء الله، فوزٌ بجنة عرضها السموات والأرض. من رحمة الله بعباده أنه لما كتب عليهم مصيبة الموت والتوجع بقسوتها، جعل للموت خاصية فقد تأثيره الموجع بتقادم الزمن، جعل الله الزمن يمر على الناس بلسما يداوي جروحهم ويطبب تقرحات أكبادهم ويطفئ حرائق آلامهم، فما تلبث أن تعود الابتسامات تزين وجوههم من جديد!! هم قطعا لم ينسوا أحبتهم الذين ذهب بهم الموت، ولم يذبل في قلوبهم الحب لهم والشوق إليهم، لكنها رحمة الله التي تجعل الحرائق تنطفئ والجروح تندمل، فالحمد لله رب العالمين، ولله الأمر من قبل ومن بعد. فاكس 4555382-1 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة