لا أدري لماذا تثار حفيظتي عندما أسمع عبارة (مازلنا أصدقاء) من شخص ما، لأن كل ما يتبادر لذهني حينها هو أن كل ما يحاول فعله هو إخفاء عداء شديد للشخص المعني لا أكثر، ولعل أكثر ما يثيرني في هذا الأمر هو الاحتماء بجدار الصداقة الذي يضعه البعض لكي يبرر شيئا ما أمام الناس، حتى لا يوجهون له اللوم إذا جاهر بعداوته لصديق الأمس. والواقع أن الصداقة في حد ذاتها شيء عظيم، لكنها بمثابة الكائن الحي الذي لا يستغني عن الماء والهواء، ليعيش ويستمر، وهذا الأمر بالنسبة للصداقة هو التكافؤ بين الطرفين، إذ لابد أن يكون الصديقان متقاربين في المستويات التعليمية، الثقافية والفكرية كونهما يحتاجان لرؤية مشتركة للحياة ولنواميس الكون، عوضا عن الاهتمامات المتقاربة التي ستمكنهما من الانسجام في الحديث، وفي تنفيذ النشاطات الاجتماعية المختلفة. وفي هذا الصدد لايفوتني التنويه إلى أن الصداقات التي بنيت على تلك الأسس المذكورة آنفا استطاعت أن تحقق نجاحات ملموسة في حياة الأصدقاء الذين جعلوها منهجا لحياتهم ليس في عصرنا فحسب، بل على مر التاريخ، وجنوا من وراء تلك الصداقات المنافع الجمة، والخير الوفير في حين كانت الصداقات التي لم تبن على هذا النهج تنتهي دائما بمواقف سيئة للغاية بين الصديقين. ولعل أكثر الصداقات الفاشلة هي صداقات العمل، لأن الغيرة تلعب فيها دورا واضحا بالإضافة إلى التنافس الذي يدمر تلك العلاقة من أساسها. أما أجمل الصداقات هي صداقات المدرسة والطفولة حيث كانت النفوس أكثر صفاء، وأقل تعلقا بالماديات. وحين يمر شريط الصداقة بذاكرتي أتذكر اثنتين من دكاترة الجامعة حيث كانتا تتشاركان تدريس مقرر واحد، وفي كل محاضرة تعيب واحدة منهما على الأخرى، وتختم عبارتها بأنها لا تكرهها، بل على العكس فهما صديقتان !! بقي لنا القول إن هناك الكثير من المشاعر البشرية التي تبوح بنفسها، وتعبر برحيقها أروقة الأمكنة بكل تفاصيلها، وحين نرى أصدقاء نعرف متى يتصالحون ومتى يتشاجرون من حركاتهم وكلامهم دون أن يأتوا ليقولوا إنهم ما زالوا أصدقاء.