«نساؤنا يتأففن منا ولا يطقن روائحنا».. عبارة عفوية أطلقها بعض سائقي صهاريج الصرف الصحي الذين يواجهون الأوبئة والروائح الكريهة لكسب لقمة العيش بعملهم في واحدة من المهن التي تصنف عالميا ضمن أخطر سبع مهن، حيث تنعكس آثارها سلبا على صحة ممتهنيها، فضلا على ندرتهم نتيجة النظرة الدونية من بعض شرائح المجتمع، رغم تأكيدهم بأنها تدر عليهم دخلا ماديا جيدا يمكنهم من توفير العيش لأسرهم وذويهم. ورصدت «عكاظ» خلال جولتها بعضا من خفايا الحياة الاجتماعية لسائقي الصهاريج، حيث أكدوا أن حياتهم تسير بشكل طبيعي خارج أوقات العمل. يقول أميرو: أعمل في هذه المهنة منذ ما يقارب العقد ولا أرى اختلافا في حياتي عن أي عمل آخر، لتأمين الحياة الكريمة لي ولأسرتي، وأعود بعد يوم عمل شاق إلى منزلي لألتقي أطفالي وزوجتي التي لا تجد أي غضاضة في طبيعة عملي، فصعوبة الظروف المعيشية وارتفاع تكاليف الحياة أرغمتنا على تحمل الروائح الكريهة التي تلازمني لحظة عودتي إلى بيتي، فضلا عن تعرض ملابسي أحيانا لبعض البلل من مياه الصرف، بالإضافة إلى ما نتعرض له من أجواء حارة تزيد من الوضع سوءا جراء التعرق الزائد. وفورا اغتسل وأبدل ملابسي ثم نتناول وأسرتي وجبة العشاء ونخلد إلى النوم. ويحرص أميرو على شراء العطور التي تكلفه مبالغ باهظة للتغلب على الروائح الكريهة، كما أنه يحرص على اقتناء المنظفات والمعقمات والمطهرات بكميات كبيرة لتطهير الملابس حرصا على صحة أطفاله وأسرته من أن ينتقل إليهم أي ميكروب جراء روائح أو مياه الصرف التي قد تتلطخ بها ملابسه. وفي الاتجاه نفسه يؤكد تلخي أنه يعمل على صهريج الصرف الصحي منذ 20 عاما ولا يجد حرجا أمام أقاربه وأسرته من هذا العمل، ويستغرب نظرة الاشمئزاز في عيون الآخرين، رغم أدائه خدمة كبيرة لهم، فيما لا يكلفون أنفسهم عناء تقديم الشكر لهم، فضلا عن تعامل أصحاب البيارات والمنازل بازدراء لحظة دفع المبالغ المستحقة، إذ يعمدون إلى وضع أيديهم على أنوفهم لتفادي الروائح الكريهة دون مراعاة لمشاعرهم، وفي بعض الحالات يسلمون المبالغ النقدية للحراس حتى يتلافوا لقاءهم. ويتساءل تلخي عن سر هذا التعامل والنظرة الدونية قائلا: لولا حاجتنا وظروفنا المعيشية لما عملنا في هذه المهنة التي كانت سببا في وفاة الكثير ممن سبقونا فيها قبل عقود نتيجة للأمراض التي أصابتهم، ناهيك عن الروائح الكريهة وما تكلفنا من مبالغ طائلة لشراء عطور للتخلص منها، بالإضافة إلى ما يلاقيه البعض من تأفف الزوجات مما يعلق في الملابس. ويستذكر تلخي بفخر أيام السيول التي عاشتها جدة في العامين الماضيين لافتا إلى الدور المساند الذي أداه العاملون في هذه المهنة لدعم آليات الأمانة لرفع مياه السيول والتجمعات الناجمة عنها في الشوارع والأحياء رغم وجود حفر كبيرة وخطيرة في الشوارع نتيجة التصدعات جراء السيول ما عرض حياتهم للخطر. أما بكاري، فقال: لم أكمل العام العاشر في العمل على صهريج الصرف إلا أنني جراء الضغوط التي نواجهها خلال العمل أصبت بداء السكري بسبب الجهد البدني والذهني، ورغم ذلك لم ألتفت الى نظرات الاشمئزاز التي ألحظها من البعض، وثقتي في نفسي كبيرة لأنني أكسب لقمة عيش شريفة وأطعم أسرتي من مال حلال، وحينما أسافر لقضاء بعض الوقت مع أهلي في بلدي لا أجد غضاضة من مصارحتهم بطبيعة عملي الذي أسعد به.