اقترح أهالي السبيل على أمانة جدة، تأجير المناطق الشاسعة الواقعة أسفل الجسور العابرة لحيهم لعشرات الوافدين الذين يلجأون إليها لتحويلها إلى ما يشبه الفنادق الليلية للنوم لساعات معدودات، ويفروا من الموقع مع فجر اليوم التالي قبل أن يفضح أمرهم. واعتبر الأهالي الذين أعلنوا تضررهم من الفنادق المفتوحة وشكلها الشاذ، أن تستثمر المواقع حتى ولو تم تخصيص الليلة ب«ريال» فقط، ما دام الواقع لن يتغير . وشكلت المساحة أسفل جسر الملك فهد (الستين سابقا) تجمعا للعديد من المتخلفين والمخالفين، الذين وجدوا في جنباته الملاذ الآمن لهم سواء هربا من ضغوطهم الأسرية أو في ظل غياب السكن والمقر لهم. ويتنوع سكان الجسر ما بين عمال أفارقة امتهنوا غسل السيارات التي يوقفها أصحابها مؤقتا لقضاء مصالحهم في المحلات المجاورة، وبين باعة قوارير مياه أو مناديل أو ألعاب أطفال، حتى النساء أصبح لهن جانب أسفل الجسر . وفيما استراحت فاطمة (52 عاما) على مقعد قديم بالقرب من أحد الأعمدة أسفل الجسر، كشفت عن أنها في الغالب تتوسد هذا المقعد نهارا لتأخذ قسطا من الراحة بعد ليلة عمل شاقة تجمع خلالها العلب والقوارير الفارغة والتي تبيعها لمصانع إعادة التدوير، مشيرة إلى أنه لا أهل لها ولا أسرة، لذا يمثل لها هذا الجسر الملاذ الآمن والمأوى. لكن محمد نور الدين (24 عاما) الذي يبيع قوارير المياه، يفضل النوم ليلا، لانشغاله بالبيع نهارا وحتى وقت متأخر من الليل: «فالجسر ملجأ، وهنا أنام وأحتفظ باحتياجاتي، لأنه ليس لدى منزلا يؤوني، وإذا لاحظت أي دوريات جوازات أو شرطة أفر من الموقع وأختفي في الحارات المجاورة، لأعود وأمارس عملي اعتياديا». وعلى ذات النحو يحتمي محيي الدين (35 عاما) بالجسر، حيث يعمل في غسيل السيارات الرابضة في الموقع، ليبدأ عمله قبل الفجر، وينتهي في وقت متأخر من الليل، فيما الجسر يعتبره شقته المفتوحة على العمل والحياة. ويختلف حال عبدالخالق (19 عاما) الذي يعمل في إزالة خدوش السيارات وتلميع السيارات، حيث فضل أن يحتضنه الجسر ليلا لينام أسفله، هاربا من أبنائه بعدما اختلف مع زوجته، إلا أنه لا يستطيع استئجار منزل بديل أو فندق، لكنه يعود لمنزله أسبوعيا ليعطي أبناءه المصاريف قبل أن يستعيد مكانه أسفل الجسر، والذي يرى فيه الملجأ، مضيفا: «أين أذهب ؟ لا أعرف سوى هذا الجسر». من جانبها، دعت الأخصائية النفسية أماني العامودي إلى تقصي الواقع النفسي لسكان الجسور، وذلك بعد القبض عليهم من الأجهزة الأمنية للعمل على إنهاء الظاهرة التي تسيء للشكل العام للمدينة.