أطلق عليهم البعض «الهائمون في الشوارع» فيما وصفهم آخرون بأنهم «أرجوزات» كون تصرفاتهم تبعث على السخرية والضحك، فيما تثير شفقة العابرين ومن يؤلمهم انتشار فئة المعتلين نفسيا في الطرقات. وخلال جولة على مستوى المملكة تم فيها رصد المرضى النفسيين وحالاتهم، كانت الشوارع والمرافق العامة مأوى لهم، فيما كانوا كأشخاص محط سخرية للعابرين من تستوقفهم مناظرهم ويستهويهم الضحك على حالهم. في البداية، أكد مصدر بوزارة الشؤون الاجتماعية أن مسؤولية معالجة مشكلة المجانين تقع على عاتق وزارة الصحة التي تملك مستشفى خاصا لهذه الحالات. فيما عبر عدد من المواطنين عن استيائهم من عدم وجود دور ومراكز مهيأة بشكل كامل لاستضافتهم وتأهيلهم بدلا من تسيبهم في الطرقات وبث الفوضى تارة أو بعث السخرية أحيانا، حيث ذكر صالح العنزي أن انتشار المعتلين نفسيا من دون وجود مقر يحتضنهم يشكل خطرا على المجتمع، فيما يستغل آخرون حالتهم الصحية والنفسية لأغراض التسول. فيما ذكر نايف الشمري أن نظرة المجتمع للمريض النفسي والتي تدفع أي أسرة إلى سرعة وضع ابنها المريض نفسيا في مستشفى وكأنه وصمة عار تريد إخفاءها، واتفق معه بندر التميمي الذي نوه إلى أن الكثير من الأسر تخلت عن أبنائها المرضى نفسيا وتركتهم هائمين في الشوارع واصفا حالهم بالمزري. ونوهت أم فهد إلى أن كثيرا من المرضى تظلمهم أسرهم بإرسالهم للمستشفى، فقد تكون حالات الكثير منهم لا تستحق ذلك ويمكن أن تتعافى مع الزمن إلا أن الخوف من نظرة المجتمع يدفع الأهالي إلى إبعاد المريض مباشرة إلى مستشفيات لا تصلها أنظار المحيطين بهم. وفي المقابل، ذكرت الدكتورة هناء المطلق استشارية العلاج النفسي وعضوة الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أن الخدمات الطبية المتوفرة تقتصر على العلاج الدوائي فقط لا غير «فنحن نفتقر بشدة إلى العلاج الإنساني والتأهيلي لهذه الفئة وقبول المريض في قبول الواقع وأنه مريض يحتاج إلى رعاية خاصة فالبعض يخجل أو يشعر بالعار، فنحن مجتمع المثالية ننكر كل ما يخالفها، من ناحية أخرى، معاناة الأسرة بلا شك هائلة ولكن الرفض وعدم الاعتراف بالمرض يزيدها أضعافا». وأوضح مدير العلاقات العامة والمتحدث الإعلامي لمديرية الشؤون الصحية في القصيم محمد الدباسي أن وزارة الصحة معنية بتقديم الخدمات الطبية للمرضى على هذه الأرض الطيبة من مواطنين أو مقيمين من خلال شبكة مستشفيات حكومية وخاصة ومراكز علاجية وتأهيلية ومرضى الأمراض النفسية من ضمن هذه الفئات المستهدفة التي تتلقى عناية واهتماما من خلال عدة مستشفيات نفسية في المملكة وأقسام نفسية في بعض المستشفيات، إضافة إلى الاستشارات والإدارات النفسية في مختلف المديريات والخدمات المقدمة لهذه الفئة تعتمد على عدة جوانب، منها ما هو طبي أو اجتماعي أو ترفيهي أو ترويحي. فيما أكد مدير الشؤون الاجتماعية بمنطقة القصيم الدكتور فهد المطلق أنهم غير معنيين بهذه الفئة، حيث إنهم يعتبرون من ذوي الأمراض النفسية وبالتالي يقتصر دور الخدمة على جانب وزارة الصحة، حيث إن دور الشؤون الاجتماعية يقتصر على الجوانب الاجتماعية لخدمة المجتمع من خلال مراكز دار الملاحظة والتأهيل الشامل وغيرها من الخدمات الاجتماعية المنوطة بوزارة الشؤون الاجتماعية. من جهته، امتدح المواطن صالح علي شقيق مريض نفسي (مجنون) دور المؤسسات الحكومية والأهلية، حيث إنه يجد الاستقبال دوما من مستشفيات الصحة النفسية وكذلك الأهلية، حيث يوجد بمنطقة القصيم مركز الجفالي الخيري والذي يقدم دورا فعالا وإيجابيا تجاه المجتمع، كما لا نغفل الدور الهام والبارز لوزارة الصحة، وقال «من خلال فترات سابقة، تعرض أخي لحالات هستيرية كالاضطراب وعدم النوم لأيام متواصلة وغيرها من التصرفات الجنونية ويتم الذهاب به لمستشفيات الصحة النفسية ويتم استقباله والتعامل معه بشكل إنساني ومهني عال»، حيث يذكر أن الصحة النفسية في المملكة لم تحقق أي تقدم ملموس منذ 20 عاما سواء في الكوادر الطبية أو التجهيزات المكانية وزيادة عددها أو البرامج العلاجية، هذا ما أكده مسؤول سابق في أحد مراكز الصحة النفسية في المملكة. وتؤكد السيدة فاطمة العنزي (أم لمريض نفسيا) أن المستشفيات النفسية لا تفي بالغرض، ولا تسد حاجة المريض صحيا «لذلك أبقيت على ولدي ليعيش معي في المنزل وأحيانا تتلقفه الشوارع والطرقات في أوقات كثيرة نبحث عنه لعدة ساعات حتى يدلنا عليه أهل الخير». ويقول عبدالهادي سليم «حال المصحات النفسية في المملكة هي أشبه بالسجون التي تفتقر إلى جميع الامتيازات التي يحتاج إليها المريض، فهي تفتقر إلى المواصفات العالمية للمصحات النفسية من المتنفسات العلاجية كالحدائق وممارسة الرياضات والألعاب». ويشاركه الرأي فارس الراجي في أن المسؤولية مشتركة بين عدة جهات لاحتواء المرضى النفسيين، ومن أهم تلك الجهات هي وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية، يجب أن تشكل لجان جادة لعمل مراكز متخصصة للاستشفاء والنقاهة تتوفر فيها كل الإمكانات الضرورية لمساعدة المريض النفسي وانتشاله من حالة الضياع والتشرد في الشوارع. ويشير (ف. ب) إلى أن المريض في هذه المصحات المتهالكة القديمة كما في المصحة النفسية في تبوك لا يستطيع أن يمارس حياته الطبيعية أو أن يتواصل مع العالم الخارجي. «عكاظ» التقت بشاب يبلغ من العمر 23 عاما تقريبا، لم يتحدث عن شيء سوى أنه طلب عشرة ريالات لشراء مشروب مياه غازية باستجداء يدعو للشفقة والحزن، أخذها ومضى للبقالة المجاورة، لم يلتفت للسيارات العابرة على الإطلاق حتى لو صدمته إحداها، هكذا هو في عالم آخر .