تأتي مسألة التصالح والتسامح التي احتفل بها اليمنيون في المحافظات الجنوبية في سياق الرفض السياسي والاجتماعي لمراحل الصراع السياسي المختلفة، والتي تمثلت ذروتها في حرب 13 يناير 1986م، والتي شكلت منعطفا دمويا خلف كثيرا من الضحايا في المحافظات الجنوبية، ورمزية الاحتفال بهذا اليوم يحمل دلالات عالية لكنه حق يراد به باطل، فالمطلوب أن يكون التصالح والتسامح بين كل اليمنيين شمالا وجنوبا، وليس في مسألة الانغلاق على هوية جغرافية معينة بقصد التقوقع على أفكار التشظي وفي طليعتها فك الارتباط. إن اليمنيين مطالبون اليوم وهم على أهبة الاستعداد لإدارة الحوار الوطني والدخول في تفاصيله وتجاذباته أن يؤمنوا بأهمية طي الصفحات السوداء والكئيبة والانطلاق نحو المستقبل بروح المسئولية، واستحضار مصطلح التصالح والتسامح هو نقطة الارتكاز الروحية التي ينبغي الانطلاق منها نحو يمن جديد، كون هذا المصطلح حاملا لقيم تترسخ فيها أخلاق اليمنيين وتضحياتهم المختلفة في حروب خلفت الجروح والتدهور السياسي والاقتصادي وأضعفت من حضور الدولة المطلوب أن تدير فيها الوطن بروح التسامح فوق المناكفات الصغيرة والمكايدات الحزبية الضعيفة. وأعتبر أن الجماهير التي خرجت للتلويح بمحبة ليوم التصالح والتسامح باعتباره يوما جنوبيا بامتياز يؤصل للانفصال، تدرك في قرارة نفسها أن مشروع الانفصال لا أفق له ولا مستقبل، بل هو مقدمة لتشظيات مناطقية وسياسية والطريق إليه شاق وكلفته عالية، وينبغي الانتباه إلى مسألة أن الترحيب بالتسامح الوطني الذي يمس الجغرافيا اليمنية الممتدة هو الخيار الأكثر أمانا واستقرارا للجميع ولا شك أن الحوار في أقصى تجلياته ونتائجه سيفتح الباب على مصراعيه أمام فضيلة التسامح بين اليمنيين لتأخذ طريقها وتعطي نتائجها.