تتصاعد الأصوات المنادية بانفصال جنوب اليمن عن شماله، وعودة الأوضاع السياسية والإدارية لما قبل 22 مايو 1990م، ويبدو أن هذه الأصوات تستند إلى تراكمات الفساد وسوء إدارة البلاد وغياب المشروع الوطني الحضاري في محيط من التحديات السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية، ومثل هذه الدعوات تولد ميتة، فالوحدة بريئة من كل الممارسات، وهي فكرة ناضجة بامتياز، وتجسيد واقعي وطبيعي في جغرافيا واحدة وتاريخ يتغلغل فيه الحضور المشترك في صنع أحداثه وتداخل رموزه لآلاف السنين الغابرة. وبالتالي فالانفصال لا يقف على أرضية ثقافية صلبة إنما هو رد فعل متشنج وسريع يشكله غبن اللحظة وتطلعات المستقبل الذي لا أفق له ، فما كان يعانيه اليمن بشطريه قبل الوحدة من حروب ومؤامرات وتشرذم نفسي وشتات أسري لكثير من العوائل اليمنية لا يزال حاضرا في ذاكرة اليمنيين ووجدانهم. وخيار الانفصال هو عودة غير مأمونة لكل ما سبق مع إضافة ما حدث من تداخلات ديمغرافية واجتماعية طوال العقدين السابقين وهي مسألة طبيعية في شعب واحد مهما تجاذبته لغة المصالح والمشاريع الصغيرة. وتبقى القضية الجنوبية محل اعتراف أخلاقي وما حدث من ممارسات خاطئة من أطراف العمل السياسي والاجتماعي قد عمت كل اليمنيين ووحدتهم، والمطلوب رفع المعاناة عن الجميع من صعدة إلى المهرة، والتغيير الذي ينبغي أن يمس الأشخاص والممارسات قد فتحت أبوابه وبدأت ثماره ، فلا ينبغي فتح باب سيىء السمعة مثل باب الانفصال الذي لن يعني غير مزيد من الدمار والتشظي لكل الجغرافيا اليمنية. والمؤسف هو قيام مثقفين بتسويق هذه الرؤى الباهتة وهم أقرب الناس إلى مسألة التجرد في قراءة حقائق التاريخ التي لا تقبل زيف اللحظة مهما تعالى صوتها وثار غبارها في لحظة ضعف مؤقتة. • كاتبة يمنية