عندما توقفت العمالة الإندونيسية، إثر رفض لجنة الاستقدام الأهلية للشروط الجديدة التي وضعتها الجهة المختصة في إندونيسيا وأبلغتها لسفارتها في المملكة، وهي شروط كان من الممكن التفاهم حولها بهدوء بلا تشنج للوصول إلى حل وسط، عندما حصل ذلك التوقف ظنت بعض الأسر السعودية ومعهم لجنة الاستقدام أن العمالة المنزلية الإندونيسية سوف «تموت من الجوع»، وأنها سوف تضغط على حكومتها من أجل إلغاء الشروط الجديدة... إلى غير ذلك من التصورات المبنية على الأوهام الساخنة والباردة. أما واقع الأمر، فإن في إندونيسيا مائتين وخمسين مليون نسمة، فماذا يشكل نصف مليون عاملة منزلية وسائق بالنسبة للعدد الإجمالي للسكان هناك، كما أن العمالة الإندونيسية مرحب بها في دول الخليج، فإذا تمنعنا عن الاستفادة منها لأي سبب من الأسباب، فإن في بقية دول الخليج العربي مجالا واسعا لها، بل إن دولة ماليزيا المجاورة لإندونيسيا أصبحت تستفيد من العمالة الإندونيسية، حتى قيل إنه يوجد في ماليزيا نحو مليونين من الإندونيسيين والإندونيسيات يعملون في جميع المجالات، بما فيها العمالة المنزلية وسيارات الأجرة والفنادق. كما أن بعض الدول الصناعية؛ مثل كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة، باتت تستقطب العمالة الإندونيسية بأجور أعلى من الأجور التي نمن بها عليهم، ولذلك فإن التصورات الواهمة بأن عدم استقدام عمالة منزلية من إندونيسيا سوف يجعلهم يرضخون لشروطنا دون قيد أو شرط هي تصورات بعيدة عن الواقع، وقد أدركت بعض الأسر السعودية بعدما جربت نوعيات أخرى من العمالة المنزلية أن العمالة الأندونيسية أهون الشرين، وأنه بقليل من التواضع وحسن التعامل والنزول إلى أرض الواقع يمكن تذليل العقبات أمام عودة العمالة من إندونيسيا لأنها أفضل الموجود، مع ترك المجال والباب مفتوحا لمن يريد استقدام عمالة منزلية من أفريقيا أو جنوب آسيا أو حتى من الدول العربية مثل مصر والمغرب. أما الكلام الكبير الذي لا جدوى منه فإنه لن يوصل إلى نتائج إيجابية. وفي جميع الأحوال، فإن تعاملنا ينبغي أن يكون مبنيا على قاعدة «الدين المعاملة»، وقاعدة الإحسان إلى الخدمِ التي أمر بها الإسلام؛ لأن الإحسان بصفة عامة يستعبد القلوب، إلا فيما ندر، والنادر لا حكم له، وقد قال الشاعر في ذلك بيتا مشهورا هو: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان.