لعل الفترة الحالية والظروف الاستثنائية الراهنة التي تمر بها المنطقة العربية ودول الخليج العربي بشكل خاص تفرض تحديات بعينها على دول المجلس ربما بما يفوق كثيرا ما تعرضت له من قبل منذ إنشائه من أكثر من ثلاثة عقود في ثمانينات القرن الماضي، وهي التحديات التي تمليها المتغيرات العديدة التي تعصف بالمنطقة، ولعل تلك المتغيرات توجب أيضا ضرورة تبني منظومة جديدة من العلاقات واعتناق رؤى مغايرة في ضوء أحداث متلاحقة يتوخى التعامل معها بغاية اليقظة والاهتمام. لاشك أن دول الخليج العربي تتمتع بمكانة عالمية وثقل اقتصادي ووزن سياسي وقيمة تاريخية وحضارية وإنسانية يعرفها القاصي قبل الداني، مكانة تسيل لعاب الحاقدين والمرجفين من دول ومنظمات متطرفة، وهو ما يضعها طيلة الوقت أمام تحديات وتطلعات تدفعها إلى مزيد من الالتقاء والترابط تحت مظلة واحدة وقوية تمكنها مجتمعة من مواجهتهم باستراتيجية موحدة، وهو ما جسدته دعوة الملك عبدالله لزيادة مستوى الترابط بمجلس التعاون الخليجي ليتطور من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وهو الاتحاد الذي ينظر إليه على أنه يسعى لإعطاء قوة وزخم سياسي وعسكري واقتصادي وبما يضمن وحدة وسيادة كل دولة على أراضيها وشعبها ومصالحها الخاصة. لقد جاءت قمة المنامة 2012 لتجدد آمال الشعوب المنضوية تحت لواء هذا المجلس في تعزيز مستوى التعاون ورفعه لمستوى الاتحاد، كما تمخضت عن قرارات مهمة بشأن منظومتها الدفاعية والأمنية تمثلت في إقرار اتفاقية الأمن وإنشاء قيادة عسكرية موحدة، ومن المعروف أن هذه القيادة العسكرية الموحدة لن تكون بديلا عن درع الجزيرة، بل هي في حقيقة الأمر رأس حربة لها، ستكون بمثابة ما يعرف ب«قوة المهام» وهو المصطلح العسكري الذي يقصد به اضطلاع فصيل عسكري واحد بمهمة أمنية بعينها. وبرغم أن الهاجس الأمني يفرض نفسه على مواطني منطقة الخليج إلا أن شعوبها تهفو أيضا لدرجة أقوى ومستوى أعمق من التحالف والشراكة، فالشعوب الخليجية تنتظر الكثير من قادتها؛ تنتظر على المستوى السياسي سياسة خارجية موحدها يضطلع بها منسق شؤون سياسية خارجية على غرار الاتحاد الأوروبي، تتطلع لإنشاء مجلس شورى موسع بلجان فرعية متعددة يضم كافة أعضاء دول المجلس ويؤخذ برأيه عندما يلم بالمنطقة أي عارض ويعبر في ذات الوقت عن طموحات شعوب المجلس، ورغم أيضا القفزات الاقتصادية التي تحققت بين بلدانه في عدة مجالات من قبيل التبادل التجاري والاستثمارات وخاصة في القطاعات التحويلية، إلا أن الكثير لا يزال منتظرا على كافة الأصعدة؛ بدءا من القاعدة الاقتصادية الموسعة والعملة الخليجية الموحدة والتكامل الصناعي في مختلف القطاعات التصنيعية، مرورا بالطموح المتعلق بإنشاء محطة طاقة نووية مخصصة للأغراض السلمية تجسد وحدة دوله وشعوبه، وصولا إلى الاتحاد الفيدرالي الذي سيضم دول المجلس جميعها معا في خطوة قد تؤهله لدور أقوى في الأممالمتحدة ومجلس أسوة بالكيانات الكبرى فيه، مما يعد إضافة سياسية واقتصادية لا جدال بأنها ستلقي بظلالها الطيبة على حياة ومستقبل الشعوب الخليجية والعربية أيضا بأكملها. إن الإسراع بخطوة الاتحاد بين دول الخليج باتت أكثر إلحاحا عن ذي قبل، وخاصة في ظل ظروف إقليمية متوترة ومقلقة، حيث إن التباطؤ في اتخاذ القرارت التي من شأنها تعضيد قوة هذه الدول قد يعطي إشارة للمتربصين بأن هذه الدول غير قادرة على اتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية، لا زال المواطنون يأملون أن تكلل جهود الثلاثين عاما الماضية بالمزيد مما يحقق للمنطقة ما تصبو إليه من هدوء سياسي واستقرار أمني واكتفاء ذاتي وتكامل استثماري، وأن يكون على أرض الواقع ما وثقه التاريخ وما رسمه الخيال لهذه الشعوب، وأن تكون كل الاتفاقات والاجتماعات والمحادثات والقمم المتتالية مجسدة أمام الشارع الخليجي وليست مجرد حبرا على ورق أو صورا مبثوثة عبر الفضائيات، وأن يتم تجاوز كل الخلافات وتذليل كل العقبات وإزالة كافة الحواجز ومحو حميع العراقيل، ليلتئم الشمل ويتراص البنيان وتمتزج الحضارات والثقافات وتنصهر جميعا في بوتقة واحدة، هى كيان جديد يترقبه العالم الخارجي وسيعرفه عما قريب باسم اتحاد دول الخليج العربي. twitter.com/mufti_dr