عشوائية وعبث، كل ما يوحي به المكان هو أنك في بيئة غير تلك المرسومة في المخيلة، إنه الكيلو 14 الجزء الواقع في الناحية الجنوبية الشرقية من العروس، وتحديدا على سفح جبل تقطنه الجالية «البرماوية» التي تمارس الحياة بعشوائية تامة في شتى مناحي الحياة. على سفح الجبل أغذية مكشوفة للبيع وتجارة مختلفة، غالبية المعروض منها لا يصلح لاستخدام بني البشر، فكل ما شارفت مدة صلاحيته على الانتهاء يجد رواجا في المكان، أما المنازل فقسمت لصناعة الأثاث وإيواء بني البشر. وخلال جولة «عكاظ» وبمجرد توقف السيارة التي تحمل الفريق اجتمع حولها أطفال حفاة وشبه عراة مستغربين القادم إليهم، وما لبثوا أن انصرفوا لإكمال اللعب بعد مهمة الاستكشاف السريعة، وسيرا على الأقدام سألنا أحد الجالسين على دكة منزله، عن سوق البرماوية الشعبي، حينها رد سريعا وأجاب: أنتم في الحي الخطأ، إنه ليس حي البرماوية، هذا حي يوسف، لنكتشف أن استفساراتنا تجد نفس الإجابة التي اتفق عليها ساكنو حي البرماوية لمواجهة الغرب من زوار الحي ولتتويه القادمين من خارجه. ومن أغرب ما في الحي سوق الجبل الشعبي الأسبوعي المقام كل يوم جمعة منذ الصباح الباكر وحتى المساء، ويفد إليه المئات من مختلف الأحياء المجاورة حتى إن بعض أبناء الجالية البرماوية يقصدونه من مكةالمكرمة وبعض المحافظات الأخرى، وتعرض فيه مختلف السلع والبضائع من أثاث وملابس وأطعمة ومأكولات برماوية شعبية بما يوحي للزائر بأنه في إحدى دول شرق آسيا. وبدأت محطات الحي الغريب بسحب دخان تغطي سماء الحي، وحين اقتربنا منه وجدنا نارا تندلع من مرمى للنفايات وبجواره عدد من الأطفال الذين كانوا يعبثون بالمكان الذي يقع على مقربة من مستودع للخشب المسطح المتاخم للمباني السكنية. توغلنا أكثر في الحي ووجدنا أن البرماوية يعيشون حياتهم وفق عاداتهم وتقاليدهم الأصلية، ويجيد الكثير منهم التحدث باللغة العربية بطلاقة متناهية اكتسبوها خلال مخالطتهم أفراد المجتمع المحلي، ويعمل الكثير منهم في أعمال مهنية تعد المصدر الوحيد لهم، وعملوا على احتكار العديد من المهن التي باتت مرتبطة بهم ارتباطا مباشرا أبرزها الصناعات الخشبية، وبيع الخضروات واللحوم والأسماك، وبعض المهن الحرفية كالنجارة وبيع وشراء الأدوات المستعملة خصوصا في الأسواق الشعبية. ورصدت «عكاظ» في جولتها تفاقم الأوضاع الصحية والبيئية بسبب انتشار النفايات وتراكمها ورميها بشكل عشوائي، ورائحة المكان التي تبعث الأمراض من خلال انتشار الباعوض والذباب جعلتها بعيدة عن الجهات الخدمية لمعالجة المشكلات البيئية المستمرة، ورفع المخلفات إذ لاحظنا وجود الحاويات التي تعد على أصابع اليد فقط على مداخل الحي ولا توجد حاويات داخلها، والسبب يعود في ذلك إلى عشوائية مباني الحي وصعوبة دخول سيارات النظافة وطلوعها إلى الشوارع الضيقة الترابية. وخلال الجولة التي صادفت خروج الطلاب من مدارس الحي سيرا على الأقدام استوقفنا عددا منهم، ولم يتردد محمدي في التحدث إلينا، سألناه عن سوق البرماوية، فأشار إلينا بالعودة في نفس الشارع للوصول إلى السوق، وكنا نتجه على وصف أحد البرماوية الذي نفى وجود سوق للبرماوية وإنما سوق «البنقالية»، وأضاف: هناك الكثير من المشاكل التي يعاني منها الحي أولها عشوائية المباني والنفايات المتراكمة داخل الحي وانتشار المخالفات والممارسات غير النظامية التي يرتكبها المخالفون ومنها البيع العشوائي. وطالب الصبحي الجهات المعنية بالوقوف على مشاكل الحي ومعالجتها وملاحقة العابثين به. وبحسب أحد أئمة المساجد في الحي والذي أجاب على تساؤلنا حول كيفية توثيق الزواج فيما بين أبناء الجالية ذكر أنهم لا يزالون يحرصون على الحفاظ على شرعية الزواج وخصوصيته بين أبناء الجالية البرماوية بعيدا عن المحاكم نظرا لوضعهم المخالف، مؤكدا أن تلك مهمة إمام المسجد الذي يعد عقود زواج شرعية ويشهر الزفاف بين أبناء الجالية. تابعنا الجولة ووصلنا إلى الشارع الممتد الذي يقع عليه السوق الشعبي وكانت النظرات تلاحقنا، محلات كثيرة وعشوائية وبضائع تخرج من المنازل، توقفنا عند أحدهم وكان ينادي بالخضروات على المتسوقين بسعر زهيد جدا ووجدنا أسراب الذباب تحلق حولها بدون رقابة، ورائحة السمك واللحوم تعصف بالمكان بعيدا عن الرقابة، إضافة إلى المواد الغذائية الأخرى والتي يتم عرضها بطرق غير نظامية. من جهته، اعتذر مدير عام الأوقاف والمساجد بمحافظة جدة فهيد البرقي عن الرد حول متابعة المساجد داخل الأحياء العشوائية ومراقبتها من التجاوزات التي تحدث داخلها، واكتفى البرقي بالرد قائلا إن تعليمات واضحة من وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف تمنعه من الحديث وأنه سيرد على الموضوع بعد النشر . بدوره، أشار مصدر مسؤول في أمانة جدة إلى أن الأمانة تتابع أوضاع جميع الأحياء العشوائية، من خلال ملاحقة السلبيات داخلها، إذ يتم متابعة الباعة الجائلين في الطرقات والمحال التجارية والمطاعم، مضيفا أن الأمانة تؤدي جهودا كبيرة في مجال القضاء على ظاهرة البيع العشوائي التي يزاولها المخالفون في الشوارع حفاظا على البيئة، وذلك بالتنسيق مع الجهات الأمنية. بدوره، أوضح الناطق الأمني لشرطة جدة الملازم أول نواف البوق أن الجهات الأمنية تكثف وجودها في الأحياء العشوائية من خلال فرق سرية تندمج مع العمالة، بجانب تواجد أمني مستمر من دوريات الأمن وفرق البحث والتحري.